د. عيدروس النقيب يكتب:
الشهيد سيف والشرف المروم
يقول أبو الطيب المتنبي:
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومٍ
فلا تقنع بما دون النجومِ
فطعم الموتِ في أمرٍ حقيرٍ
كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ
ويقول أيضاً:
وإذا لم يكن من الموت بدٌ
فمن العجز أن تموتَ جبانا
صادف هذاالاسبوع مرور أربعينية استشهاد العميد سيف علي صالح العفيف (المشهور بسيف سُكَّرَه) الذي قضى في مواجهة محاولة الجماعة الحوثية استعادة تمددها في محافظة الضالع الأبية، على طريق مداراة الهزيمة المنكرة التي تلقتها في هذه المحافظة الباسلة على أيدي أبنائها الأبرار، والثأر لما لحق بها من عار مشين في العام 2015م.
تعود قصة الشهيد سيف العفيف إلى مراحل مبكرة من عمر ثورة الرابع عشر من اكتوبر عندما التحق بالحياة السياسية والوطنية حينما كان ما يزال تلميذاً في مدينة قعطبة ثم صنعاء فالقاهرة في إطار عمليات التأهيل التي كان يتلقاها مقاتلو الجبهة القومية وكان الشهيد في الخامسة عشرة من عمره، وساهم بقوة في تحمل كافة المهمات التي كانت تسندها له القيادة السياسية والعسكرية للجبهة القومية.
وفي عهد النظام الوطني الوليد، ودولة الاستقلال كان الشهيد ضمن آلاف الشباب المتحمسين لبناء مستقبل مختلف عمَّا عاشه آباؤهم، وتدرج الشهيد في مراتب مختلفة من الحرس الشعبي إلى جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وفي نهاية السبعينات عُيِّنَ في مكتب وزير الدفاع في عهد الشهيد علي عنتر ثم في عهد الشهيد صالح مصلح ثم في عهد اللواء صالح عبيد قبيل مايو 1990م.
هو سيف علي صالح العفيف، كان العاملون في مكتب الوزير يعانون صعوبات في إقناع المتابعين بآلية التعامل مع قضاياهم والتي تتطلب قليلاً من الصبر وانتظار مقابلة الوزير أو استكمال الإجراءات الروتينية التي تقتضي في بعض الأحيان أياما حتى إنجازها، فيغضب بعض هؤلاء ويشتكي البعض الآخر، لكن الشهيد سيف كان يتحلى بدماثة أعلى في الخلق ومخزون أوفر من الصبر وقدرة أكبر على الإقناع، وكانت ابتسامته المعروفة هي رسالته الأولى التي يقابل بها كل من يزور مكتب الوزير، صغيراً كان أم كبيراً، فقال له البعض: "يا أخي أنتَ سُكَّرَه" فالتصق به الاسم منذ ذلك الزمن، وهذه الرواية عرفتها من أخويه الزميلين ، الكبتن طيار عبد الحافظ العفيف، والمستشار محمد العفيف.
عايش الشهيد سيف مراحل بناء النظام الوطني الجديد منذ اللحظات الأولى وأسهم في بناء المؤسسة العسكرية الفتية، وظل يعمل بصمت بعيداً عن الكاميرات وأعمدة الصحف، لكنه كان يراكم من الخبرات المهنية، الإدارية والعملياتية والفنية، ما يؤهله ليكون قائداً من الدرجة المتميزة.
وكما قلنا فإن الشهيد سيف مثلما عاش النجاحات التي شهدها الجنوب وكان جزءً منها وتشبع بما أتت به من مكاسب لأبناء الطبقات الاجتماعية الواسعة، وتحصل على التأهيل العلمي والمهني، وتشرب قيم المرحلة من إباء وصدق وأمانة وشجاعة ونزاهة وإيثار، فقد ساهم بما لديه من مهارات وقدرات، وما تحلى به من قيم ومثل نبيلة في تكريس الروح الوطنية الجديدة التي هي أحد ثمار الثورة الأكتوبرية المجيدة، ولم يكن بعيداً عن تلك التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي نهض بها الجنوب من قاع التمزق والتشرذم والجهل والتخلف إلى مستوى فاق فيه الكثير من جيرانه من الدول الغنية في مجال الخدمات الطبية والتعليمية والقضاء على الأمية وتمكين الطبقات الدنيا من المساهمة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية والحصول على الحقوق المعيشية والخدمية، وبالمثل فقد عاش لحظات الارتكاس والنكوص التي تخللت مسيرة هذه الثورة المجيدة، وكان آخرها كارثة العام 1990م وابنتها الشرعية حرب 1994م التي قذفت بالشعب الجنوبي كله وكل كفاءاته ومثقففية إلى هامش الحياة، وكان الشهيد واحداً من آلاف ضحايا تلك الحرب الكارثية.
تعرض الشهيد سيف مثله مثل عشرات الآلاف من الكوادر الجنوبية ومئات الآلاف من الموظفين الحكوميين الجنوبيين للإقصاء والاستبعاد وبقي بين أبناء جلدته في محافظة الضالع يساهم في متابعة قضايا الناس ويساعدهم على تذليل مصاعبهم ما أمكنه ذلك، ويقرب المسافات بين المتنازعين بعد أن سلك نظام المنتصرين، منهاجية زرع الفتن وتغذية النزاعات وتجميد أعمال أجهزة القضاء والنيابة والبحث الجنائي لتسهيل تعميم الفوضى وزعزعة الأمن وتغييب الاستقرار لأهدافٍ يعرفها كل ذي عينين.
وبرغم محالاوت نظام المنتصرين استدعاء الشهيد وعرض عليه الكثير من المناصب المغرية والمواقع المدرة للفوائد المالية ، بحلالها وحرامها، إلا إن الشهيد تمنع عن مجاراة كل هذا وفضل البقاء بين أبناء جلدته يشاركهم سراءهم وضراءهم، قانعا بأقل القليل متواضعا في تطلعاته الشخصية، بسيطاً في مصروفاته اليومية مهتماً بتعليم أبنائه وشد اللحمة الوطنية بين أبناء منطقته ، لكنه لم يفقد أمله في التغيير وانتصار قيم الحرية والحق والكرامة.
وعند انطلاق ثورة الحراك السلمي الجنوبية في العام 2007م كان الشهيد سيف أحد المشاركين الفاعلين فيها، بل لقد كان منزله في مدينة الضالع ملتقى لكل الناشطين السياسيين الرافضين لنتائج حرب 1994م الظالمة، والداعين إلى إعادة المبعدين إلى أعمالهم ، وواكب تطور العملية التي ابتدأت بتلك المطالب الحقوقية، ثم عندما انتقلت إلى المطالب السياسية بعد أن برهن نظام عفاش أنه لا يعترف بالعمل السملي ولا يعترف بحق الناس في التعبير عن آرائهم، بل لم يتورع عن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين الذين لم يكن لديهم من سلاح سوى صور من سبقهم من الشهداء وهتافاتهم واليافطات المعبرة عن مطالبهم، وإيمانهم بعدالة قضيتهم، وأصبح المطلب الرئيسي والوحيد لكل الجنوبيين هو استعادة الدولة الجنوبية والشروع في بناء المجتمع الجنوبي التعددي الديمقراطي اللامركزي الجديد، كان الشهيد سيف مواكباً منتظما لهذه المسيرة الوطنية العظيمة.
هكذا كان الشهيد في زمن الثورة السلمية، وهكذا سيستمر في زمن المواجهة المسلحة مع الغزو الانقلابي الثاني للتحالف العفاشي الحوثي، ولا بد من التذكير هنا أن منطقة الضالع وعاصمتها بالتحديد مدينة الضالع قد ظلت تعيش حالة من الغليان والمواجهة، مع القوات العسكرية العفاشية منذ مراحل مبكرة بعد العام 1994م، لكن شراسة العدوان تنامت وتضاعفت بعد اندلاع ثورة الحراك السلمي، وكانت مدينة الضالع تشهد المسرات والفعاليات السلمية كل شهر وأحيانا كل اسبوعين، وفي كل فعالية يعود المتظاهرون بعدد من الشهداء وفي كل مسيرة تأبين لأرواح الشهداء، يعودون بشهداء جدد وظلت تلك المتوالية تتكرر بشكل دوري، ولم تتوقف حتى أثناء ما سمي، مؤتمر الحوار في صنعاء، ويتذكر الجميع عشرات الأسماء التي خلدها التاريخ، ممن قضوا نحبهم على أيدي قوات بن حيدر وضبعان وغيرهم ومن والاهم من القتلة المجرمين، وما قصف مجلس العزاء وقتل العشرات من الأطفال والشباب والمسنين فيه على أيدي قوات ضبعان إلا نموذجاً مصغراً لعشرات الحالات المشابهة.
في ظل تلك الأجواء الممزوجة بالأمل الصغير المنبعث من وسط حرائق القمع والدم والموت والمقاومة السلمية لم يكن الشهيد سيف إلا جزءً فاعلا من هذه المسيرة الخالدة، لكن العدوان الانقلابي وزحف قوات التحالف الانقلابي باتجاه عدن عبر الضالع قد أجج من روح المقاومة وأجبر كل المقاومين السلميين الجنوبيين على استخدام السلاح دفاعا عن الأرض والكرامة وتطلعاً إلى المستقبل المشرق بشمس الحرية واستعادة الدولة الجنوبية.
فعندما حاول غزاة 2015م استعادة المبادرة والثأر من الضالع وأبنائها لما ألحقوه بهؤلاء من هزائم مؤلمة في ذلك العام من خلال محاولة إعادة احتلال الضالع ، والكل يعلم كم هي استثنائية تلك المآثر التي سجلها أبناء الضالع وكان اللواء الأول مقاومة في صدارتها، كما يعلم الكل أين وصل الحوثيون في بداية المواجهة وكيف تم إخراجهم من قعطبة ونواحيها،
لم يسع الشهيد سيف للبحث عن منصب قيادي في حكومة الشرعية، وكان يمتلك مؤهلات وسجايا أخلاقية ومهنية لا يمتلكها الكثيرون من الذين تسابقوا على المناصب الوزارية والمكاتب الفخمة في الداخل والخارج، بل التحق بصفوف المقاومة، وانتدب لقيادة اللواء أول مقاومة، (وهو اللواء الذي يطابق اسمه مطابقة كاملة) كلواءٍ جديد نشأ مع نشوء المقاومة المسلحة في مواجهة المشروع الحوثي، وقام الشهيد سيف مع رفاقه القادة والمقاومين من أبناء الضالع، وعلى رأسهم القادة، عيدروس الزبيدي، وشلال شائع وصلاح الشنفرة وآخرين بترتيب صفوف الشباب الذي كانوا على الدوام في الصدارة في مواجهة تلاميذ عفاش وأدوات الحوثي.
لم يتكسب الشهيد سيف من قيادته لهذا اللواء الحديث النشأة ولم يستغل منصبه لجمع الأموال وبيع المؤونة والعتاد العسكري، كما لم يسعَ لإعداد القوائم بالأسماء الوهمية، لتنمية الأرصدة البنكية، ومضاعفة الأسهم في البنوك والشركات الاستثمارية، ولم يشترِ فلة أو منزل فخم في القاهرة أو اسطنبول، كما فعل ويفعل عشرات المتهافتين على مناصب الحكومة الشرعية بل كان يتقدم جنوده في مواجهة العدو، ولم يتوانَ عن تصدر المشهد وتولي قيادة المواجهة مباشرة.
نذر الشهيد سيف شبابه وكهولته، وكل عمره من أجل قضية الوطن، واستشهد وهو يواجه المعتدين، غير هيابٍ ولا متردٍ ولا طامعٍ في مكافأة ولا باحثٍ عن غنيمة بل مدافعاً أبيٍ عن حياض الوطن وحرية الشعب وطهارة الأرض ونبل الأحلام السامية لملايين الجنوبيين.
الرحمة لروح الشهيد سيف والخلود لذكراه وصادق العزاء لأهله وذويه وتلاميذه ورؤسائه ومرؤوسيه وكل محبيه.
إذا غامرتَ في شرفٍ مرومٍ
فلا تقنع بما دون النجومِ
فطعم الموتِ في أمرٍ حقيرٍ
كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ
ويقول أيضاً:
وإذا لم يكن من الموت بدٌ
فمن العجز أن تموتَ جبانا
صادف هذاالاسبوع مرور أربعينية استشهاد العميد سيف علي صالح العفيف (المشهور بسيف سُكَّرَه) الذي قضى في مواجهة محاولة الجماعة الحوثية استعادة تمددها في محافظة الضالع الأبية، على طريق مداراة الهزيمة المنكرة التي تلقتها في هذه المحافظة الباسلة على أيدي أبنائها الأبرار، والثأر لما لحق بها من عار مشين في العام 2015م.
تعود قصة الشهيد سيف العفيف إلى مراحل مبكرة من عمر ثورة الرابع عشر من اكتوبر عندما التحق بالحياة السياسية والوطنية حينما كان ما يزال تلميذاً في مدينة قعطبة ثم صنعاء فالقاهرة في إطار عمليات التأهيل التي كان يتلقاها مقاتلو الجبهة القومية وكان الشهيد في الخامسة عشرة من عمره، وساهم بقوة في تحمل كافة المهمات التي كانت تسندها له القيادة السياسية والعسكرية للجبهة القومية.
وفي عهد النظام الوطني الوليد، ودولة الاستقلال كان الشهيد ضمن آلاف الشباب المتحمسين لبناء مستقبل مختلف عمَّا عاشه آباؤهم، وتدرج الشهيد في مراتب مختلفة من الحرس الشعبي إلى جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وفي نهاية السبعينات عُيِّنَ في مكتب وزير الدفاع في عهد الشهيد علي عنتر ثم في عهد الشهيد صالح مصلح ثم في عهد اللواء صالح عبيد قبيل مايو 1990م.
هو سيف علي صالح العفيف، كان العاملون في مكتب الوزير يعانون صعوبات في إقناع المتابعين بآلية التعامل مع قضاياهم والتي تتطلب قليلاً من الصبر وانتظار مقابلة الوزير أو استكمال الإجراءات الروتينية التي تقتضي في بعض الأحيان أياما حتى إنجازها، فيغضب بعض هؤلاء ويشتكي البعض الآخر، لكن الشهيد سيف كان يتحلى بدماثة أعلى في الخلق ومخزون أوفر من الصبر وقدرة أكبر على الإقناع، وكانت ابتسامته المعروفة هي رسالته الأولى التي يقابل بها كل من يزور مكتب الوزير، صغيراً كان أم كبيراً، فقال له البعض: "يا أخي أنتَ سُكَّرَه" فالتصق به الاسم منذ ذلك الزمن، وهذه الرواية عرفتها من أخويه الزميلين ، الكبتن طيار عبد الحافظ العفيف، والمستشار محمد العفيف.
عايش الشهيد سيف مراحل بناء النظام الوطني الجديد منذ اللحظات الأولى وأسهم في بناء المؤسسة العسكرية الفتية، وظل يعمل بصمت بعيداً عن الكاميرات وأعمدة الصحف، لكنه كان يراكم من الخبرات المهنية، الإدارية والعملياتية والفنية، ما يؤهله ليكون قائداً من الدرجة المتميزة.
وكما قلنا فإن الشهيد سيف مثلما عاش النجاحات التي شهدها الجنوب وكان جزءً منها وتشبع بما أتت به من مكاسب لأبناء الطبقات الاجتماعية الواسعة، وتحصل على التأهيل العلمي والمهني، وتشرب قيم المرحلة من إباء وصدق وأمانة وشجاعة ونزاهة وإيثار، فقد ساهم بما لديه من مهارات وقدرات، وما تحلى به من قيم ومثل نبيلة في تكريس الروح الوطنية الجديدة التي هي أحد ثمار الثورة الأكتوبرية المجيدة، ولم يكن بعيداً عن تلك التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي نهض بها الجنوب من قاع التمزق والتشرذم والجهل والتخلف إلى مستوى فاق فيه الكثير من جيرانه من الدول الغنية في مجال الخدمات الطبية والتعليمية والقضاء على الأمية وتمكين الطبقات الدنيا من المساهمة الفاعلة في الحياة السياسية والاجتماعية والحصول على الحقوق المعيشية والخدمية، وبالمثل فقد عاش لحظات الارتكاس والنكوص التي تخللت مسيرة هذه الثورة المجيدة، وكان آخرها كارثة العام 1990م وابنتها الشرعية حرب 1994م التي قذفت بالشعب الجنوبي كله وكل كفاءاته ومثقففية إلى هامش الحياة، وكان الشهيد واحداً من آلاف ضحايا تلك الحرب الكارثية.
تعرض الشهيد سيف مثله مثل عشرات الآلاف من الكوادر الجنوبية ومئات الآلاف من الموظفين الحكوميين الجنوبيين للإقصاء والاستبعاد وبقي بين أبناء جلدته في محافظة الضالع يساهم في متابعة قضايا الناس ويساعدهم على تذليل مصاعبهم ما أمكنه ذلك، ويقرب المسافات بين المتنازعين بعد أن سلك نظام المنتصرين، منهاجية زرع الفتن وتغذية النزاعات وتجميد أعمال أجهزة القضاء والنيابة والبحث الجنائي لتسهيل تعميم الفوضى وزعزعة الأمن وتغييب الاستقرار لأهدافٍ يعرفها كل ذي عينين.
وبرغم محالاوت نظام المنتصرين استدعاء الشهيد وعرض عليه الكثير من المناصب المغرية والمواقع المدرة للفوائد المالية ، بحلالها وحرامها، إلا إن الشهيد تمنع عن مجاراة كل هذا وفضل البقاء بين أبناء جلدته يشاركهم سراءهم وضراءهم، قانعا بأقل القليل متواضعا في تطلعاته الشخصية، بسيطاً في مصروفاته اليومية مهتماً بتعليم أبنائه وشد اللحمة الوطنية بين أبناء منطقته ، لكنه لم يفقد أمله في التغيير وانتصار قيم الحرية والحق والكرامة.
وعند انطلاق ثورة الحراك السلمي الجنوبية في العام 2007م كان الشهيد سيف أحد المشاركين الفاعلين فيها، بل لقد كان منزله في مدينة الضالع ملتقى لكل الناشطين السياسيين الرافضين لنتائج حرب 1994م الظالمة، والداعين إلى إعادة المبعدين إلى أعمالهم ، وواكب تطور العملية التي ابتدأت بتلك المطالب الحقوقية، ثم عندما انتقلت إلى المطالب السياسية بعد أن برهن نظام عفاش أنه لا يعترف بالعمل السملي ولا يعترف بحق الناس في التعبير عن آرائهم، بل لم يتورع عن إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين الذين لم يكن لديهم من سلاح سوى صور من سبقهم من الشهداء وهتافاتهم واليافطات المعبرة عن مطالبهم، وإيمانهم بعدالة قضيتهم، وأصبح المطلب الرئيسي والوحيد لكل الجنوبيين هو استعادة الدولة الجنوبية والشروع في بناء المجتمع الجنوبي التعددي الديمقراطي اللامركزي الجديد، كان الشهيد سيف مواكباً منتظما لهذه المسيرة الوطنية العظيمة.
هكذا كان الشهيد في زمن الثورة السلمية، وهكذا سيستمر في زمن المواجهة المسلحة مع الغزو الانقلابي الثاني للتحالف العفاشي الحوثي، ولا بد من التذكير هنا أن منطقة الضالع وعاصمتها بالتحديد مدينة الضالع قد ظلت تعيش حالة من الغليان والمواجهة، مع القوات العسكرية العفاشية منذ مراحل مبكرة بعد العام 1994م، لكن شراسة العدوان تنامت وتضاعفت بعد اندلاع ثورة الحراك السلمي، وكانت مدينة الضالع تشهد المسرات والفعاليات السلمية كل شهر وأحيانا كل اسبوعين، وفي كل فعالية يعود المتظاهرون بعدد من الشهداء وفي كل مسيرة تأبين لأرواح الشهداء، يعودون بشهداء جدد وظلت تلك المتوالية تتكرر بشكل دوري، ولم تتوقف حتى أثناء ما سمي، مؤتمر الحوار في صنعاء، ويتذكر الجميع عشرات الأسماء التي خلدها التاريخ، ممن قضوا نحبهم على أيدي قوات بن حيدر وضبعان وغيرهم ومن والاهم من القتلة المجرمين، وما قصف مجلس العزاء وقتل العشرات من الأطفال والشباب والمسنين فيه على أيدي قوات ضبعان إلا نموذجاً مصغراً لعشرات الحالات المشابهة.
في ظل تلك الأجواء الممزوجة بالأمل الصغير المنبعث من وسط حرائق القمع والدم والموت والمقاومة السلمية لم يكن الشهيد سيف إلا جزءً فاعلا من هذه المسيرة الخالدة، لكن العدوان الانقلابي وزحف قوات التحالف الانقلابي باتجاه عدن عبر الضالع قد أجج من روح المقاومة وأجبر كل المقاومين السلميين الجنوبيين على استخدام السلاح دفاعا عن الأرض والكرامة وتطلعاً إلى المستقبل المشرق بشمس الحرية واستعادة الدولة الجنوبية.
فعندما حاول غزاة 2015م استعادة المبادرة والثأر من الضالع وأبنائها لما ألحقوه بهؤلاء من هزائم مؤلمة في ذلك العام من خلال محاولة إعادة احتلال الضالع ، والكل يعلم كم هي استثنائية تلك المآثر التي سجلها أبناء الضالع وكان اللواء الأول مقاومة في صدارتها، كما يعلم الكل أين وصل الحوثيون في بداية المواجهة وكيف تم إخراجهم من قعطبة ونواحيها،
لم يسع الشهيد سيف للبحث عن منصب قيادي في حكومة الشرعية، وكان يمتلك مؤهلات وسجايا أخلاقية ومهنية لا يمتلكها الكثيرون من الذين تسابقوا على المناصب الوزارية والمكاتب الفخمة في الداخل والخارج، بل التحق بصفوف المقاومة، وانتدب لقيادة اللواء أول مقاومة، (وهو اللواء الذي يطابق اسمه مطابقة كاملة) كلواءٍ جديد نشأ مع نشوء المقاومة المسلحة في مواجهة المشروع الحوثي، وقام الشهيد سيف مع رفاقه القادة والمقاومين من أبناء الضالع، وعلى رأسهم القادة، عيدروس الزبيدي، وشلال شائع وصلاح الشنفرة وآخرين بترتيب صفوف الشباب الذي كانوا على الدوام في الصدارة في مواجهة تلاميذ عفاش وأدوات الحوثي.
لم يتكسب الشهيد سيف من قيادته لهذا اللواء الحديث النشأة ولم يستغل منصبه لجمع الأموال وبيع المؤونة والعتاد العسكري، كما لم يسعَ لإعداد القوائم بالأسماء الوهمية، لتنمية الأرصدة البنكية، ومضاعفة الأسهم في البنوك والشركات الاستثمارية، ولم يشترِ فلة أو منزل فخم في القاهرة أو اسطنبول، كما فعل ويفعل عشرات المتهافتين على مناصب الحكومة الشرعية بل كان يتقدم جنوده في مواجهة العدو، ولم يتوانَ عن تصدر المشهد وتولي قيادة المواجهة مباشرة.
نذر الشهيد سيف شبابه وكهولته، وكل عمره من أجل قضية الوطن، واستشهد وهو يواجه المعتدين، غير هيابٍ ولا متردٍ ولا طامعٍ في مكافأة ولا باحثٍ عن غنيمة بل مدافعاً أبيٍ عن حياض الوطن وحرية الشعب وطهارة الأرض ونبل الأحلام السامية لملايين الجنوبيين.
الرحمة لروح الشهيد سيف والخلود لذكراه وصادق العزاء لأهله وذويه وتلاميذه ورؤسائه ومرؤوسيه وكل محبيه.