كرم نعمة يكتب:
من يفجر فقاعة جونسون: الصحافي أم المواطن الصحافي
في كل الذي يحصل، الإعلام المتهم الأول أو المحرض الذي لا يتوقف عن الصراخ، لقد صنع الرأي بطريقة أو بأخرى ووصل أخيرا بوريس جونسون إلى 10 داونينغ ستريت، لم تحدث المفاجأة وصدقت التوقعات، لكن ذلك ليس سببا كافيا كي يجعل وسائل الإعلام تحتفي بكلامها السابق عن ترجيح وصول جونسون، بغض النظر عن طبيعة النظر إليه.
بالطبع الصحافة البريطانية أدت دورها بطريقة ملفتة إلى درجة أن صحيفة ديلي تلغراف صار يمكن تسميتها بديلي بوريس!
لننظر أولا في الطريقة التي حث بها معظم محرري الصحف البريطانية أعضاء البرلمان المحافظين على التصويت لصالح جونسون. كان أهمها، بالطبع، صحيفة ديلي تلغراف التي قضى فيها جونسون سنوات في العمل الصحافي، وكانت متحمسة إلى درجة من التفاؤل جعلتها تعتبره المنقذ أو المخلص لملف بريكست عندما أطلقت عليه اسم “السيد بريكست” و”الرجل الذي يعرفه قراؤنا جيدا” لأنه ببساطة سيخرج من الاتحاد الأوروبي في الوقت المقرر باتفاق أو من دون اتفاق.
اليوم ثمة كلام عن مواطن صحافي وشبكات اجتماعية كانت وراء القبول بترامب بريطاني في رئاسة الحكومة.
دعك من كلام نايجل فاراج رئيس حزب بريكست ودوره التحريضي، هناك قوة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي تعمل بجد للتأثير وصناعة الواقع السياسي في العالم، لكن إلى أي حد قادرة هذه القوة على الاستمرار قبل أن تنفجر فقاعة جونسون وبوخزة من؟
يقول فاراج “إن الشارع البريطاني فقد ثقته بالساسة والسياسة البريطانية، خصوصا في الثلاث سنوات الأخيرة، بنفس الطريقة التي فقد بها الثقة بحزب المحافظين، وأن أي تأخير للخروج من الاتحاد الأوروبي، سينظر إليه على أنه خيانة أخرى وسيؤدي إلى انهيار الدعم للحزب تماما”.
لكن هذا الشارع نفسه حوّل ملله الواقعي إلى عمل افتراضي وبدأ يضخ الأفكار والمعلومات، يحرّض ويقترح ويطالب ويقنع ويناقش على منصاته الاجتماعية من أجل هدف يعتقد أنه صحيح. لذلك يبدو السؤال مشروعا عما إذا يمكن لنا أن نغفل دور المواطن الصحافي في وسائل التواصل بالمساعدة على فوز بوريس جونسون برئاسة الحكومة البريطانية؟
تعبّر سوزان مور الكاتبة في صحيفة الغارديان عن استيائها الممزوج باستياء طبقة واسعة من الجمهور الذين فضلوا عدم متابعة الأخبار حفاظا على أعصابهم، لأن بوريس أصبح رئيسا للوزراء وأن دونالد ترامب سيحصل بسهولة على ولاية رئاسية ثانية، وأن بريطانيا ستكون غريبة عن محيطها الأوروبي.
وتقول إن وسائل التواصل الاجتماعي مسؤولة عن كل هذا الاستقطاب الشديد للآراء، وتقترح أن يكون للصحافيين دور أكبر مما هو سائد عبر التعبير عن أفكارهم لتعزيز نظرتهم إلى العالم.
لقد تحول هذا النمط من الحضور المستمر للمواطن الصحافي على الواقع الافتراضي إلى تأثير مقلق في العالم الحقيقي، لذلك نلمس نتائجه في التغيرات الدراماتيكية التي تهز العالم.
فعندما يجاهر ترامب بنظرته العنصرية، تبدو وسائل إعلام شهيرة أجبن من تداول ذلك بطريقة ناقدة، بينما لا يتردد النشطاء على مواقع التواصل بتشخيص تلك النظرة البغيضة، والصحف تسمي أكاذيب جونسون بلعبة مهرج، بينما يظل الرأي الأقوى اليوم لتشخيص أكاذيب السياسيين ينتشر على وسائل التواصل، يمكن أن نعزو ذلك إلى درجة الحساسية والمسؤولية العالية لوسائل الإعلام، لكن في النهاية صارت الآراء المجاهرة بالقول الجريء للنشطاء على المنصات الاجتماعية تحمل تأثيرها بالقدر الذي يفوق تأثير وسائل الإعلام نفسها.
تتعاطف سوزان مور مع فكرة التقرب أكثر من الواقع كي لا يبقى الصحافيون بعيدين عنه، بينما يستمر تأثير العامة على منصاتهم الشخصية، لمجرد أننا كصحافيين نختلف مع هؤلاء بطريقة التفكير.
إن أولئك الأشخاص الذين يستيقظون مبكرا ويتوجهون مباشرة إلى أجهزتهم الذكية من أجل استمرار التواصل مع الأحداث، السبب الرئيسي لازدهار غرف الصدى بين البلدان المتباعدة، وليس التحليلات المتأخرة للصحف، فوفق تعبير مور أن “الطهارة السياسية أدت إلى فوضى غير مقدسة. وقضية بوريس جونسون لا تحتاج أكثر من وخز صغير من أجل أن تتفجر أكبر فقاعة على الإطلاق”.
لكن كاس مود الكاتب في صحيفة الغارديان يجيب عن سؤال على غير ضفة سوزان مور، عما إذا كان بوريس جونسون حقا ترامب آخر في بريطانيا؟ فكلاهما صاخبان ونجاحهما مزيج من الامتياز والانتهازية وفقدان الضمير والترويج الذاتي الذي لا هوادة فيه.
ويقول مود الأستاذ بجامعة جورجيا “باختصار، ربما يكون بوريس جونسون أقرب ما يمكن أن تجده إلى ترامب في أوروبا، تماما مثل بريطانيا هي أقرب الدول إلى الولايات المتحدة في أوروبا، لكن جونسون بريطاني في النهاية، تماما مثل ترامب أميركي بشكل أساسي. جونسون نتاج ثقافة طبقية نخبوية محددة، غارقة في الامتياز والتقاليد، ولديه ولاء ومسؤولية”.
لا يمنع كل هذا الكلام عن إخلاص جونسون أن يعيش رئيس الحكومة البريطانية الجديد حلما ذاويا! وفق فقاعة سوزان مور التي ترسمها لجونسون وتنتظر من يفجرها إن كان الصحافي أم المواطن الصحافي.
لكن الخطوة التالية، والأكثر إثارة للاهتمام، ستكون في أن يتعدى دور المواطن الصحافي الفكرة الأنانية السائدة عن الثرثرة والانتقاد، ليصل إلى الدفع بالأشخاص الذين يفضلهم إلى المناصب السيادية العليا. ذلك ما بدأ يتضح في عالم إعلامي جديد.