حسين داعي الإسلام يكتب:
المأزق المميت لنظام الملالي في إيران
هذا الأسبوع اعترف نظام الملالي الحاكم في إيران لأول مرة، بأن صادرات نفطه انخفضت لمئة ألف برميل يوميا.
قبل خروج أمريكا من الاتفاق النووي، كانت صادرات النظام قد وصلت لأكثر من مليونين ونصف المليون برميل. وعندما بدأت العقوبات النفطية، أكد كل من خامنئي وبعده روحاني أن العقوبات لن تؤثر على تصدير النفط وأن لديهم طرقا أخرى لتصدير النفط ولا يستطيع أي أحد منعهم من ذلك، ولكن فعليا ذلك لم يحدث، ولذلك يمكن التخمين كم أصبحت الظروف معقدة وغير مقبولة ولا تطاق.
نائب رئيس منظمة التخطيط والميزانية للشؤون الاقتصادية، قال يوم الخميس ٢٥ يوليو: الميزانية العامة لعام ٢٠١٩ أغلقت بمبلغ ٤٤٨ ألف مليار تومان على أساس بيع ٣٠٠ ألف برميل نفط في اليوم. وأضاف: ميزانية العام السابق أغلقت وفقا لبيع مليون و٥٠٠ ألف برميل يوميا، والعام الذي قبله وفقا لبيع مليونين و ٦٨٠ ألف برميل يوميا".
ولكن حكومة روحاني أرسلت مشروع قانون الميزانية لهذا العام وفقا لتصدير ١.٥ مليون برميل نفط يوميا للمجلس ولم يتم إقرار هذا المشروع.
وفي هذا الأسبوع اعترف روحاني باعتراف مهم وقال: "كنا نستطيع بيع نفطنا حسب حاجتنا على الرغم من خروج أمريكا من الاتفاق النووي الأمر الذي اصطدمنا به بشدة، ولكن عندما تم إعمال العقوبات النفطية بشكل كامل، لا شك في أن ذلك خلق ظروفا جديدة كليا".
أي أن روحاني اعترف:
أولا: العقوبات النفطية تامة وكاملة والنظام لا يمكنه تحملها وخلقت ظروفا جديدة.
ثانيا: مفتاح فهم ردود النظام هو ما يسمى بالشروط الجديدة أو الاختناق الاقتصادي ذاته في الحقيقة.
وتأتي أهمية هذا الاعتراف في وقت تدعي فيه دعايات النظام بأن العقوبات فشلت و أمريكا لا تستطيع أن توصل صادرات النفط الإيراني للصفر.. ولكن الآن يعترفون مجبورين بأن سبب هذه المغامرات والتخبطات الإرهابية للنظام ليست بسبب قوته وثقته بنفسه وإنما ناجمة عن الضعف والهوان واليأس الذي وصل له النظام الذي يشبه تماما شخصا مخنوقا يحاول التنفس و للخلاص من هذه الحالة يبدأ بالتخبط والثوران وخاصة أن روحاني نفسه يكرر في خطاباته بأن الخروج من الالتزامات النووية أمر مؤقت و يعقد أمله على المفاوضات كما يصرح هنا:
"إذا اتخذ الجانب الآخر تدابير تصحيحية وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار في الحرب الاقتصادية ، فستكون هناك فرصة للتحدث مع بعضنا البعض والتوصل إلى نتيجة.
وبالطبع، هناك دول تجري وساطات في هذا الصدد، وهناك اتصالات ومراسلات مستمرة، والجميع يعلم أننا لن نفوت فرصة التفاوض".
ويمكن فهم الوضع المتأزم للنظام من خلال أحاديث روحاني حول توقيف ناقلة نفط النظام في جبل طارق، فالملا روحاني أقسم بأنه لن ولم يكن يسعى لإيجاد التوتر وخلق الصراعات في أي مكان، وأنهم إذا تخلوا عن توقيف الناقلة فإنهم سيتلقون ردا متناسبا من إيران أيضا.
وفي نفس خطاب الملا روحاني تطرق بشكل متناقض للمدح والإطراء لقوات الحرس وبكل تملق أشاد بما سماه العمل الشجاع والدقيق والاحترافي والصحيح الذي قامت به قوات الحرس ضد "السفينة البريطانية المخالفة" وقال: "اعتقد أنه يجب على كل العالم شكر قوات الحرس بسبب أمن الخليج الفارسي".
إن سبب كل هذا التناقض والتخبط اللغوي يمكن اختزاله في كلمة واحدة المأزق الذي يضيق كل يوم ويصبح خانقا بشكل أكبر حول رقبة هذا النظام.
روحاني مجبر على الحديث عن الاتفاق النووي الذي لم يبقى منه شيء في الأصل أمام العصابات المنافسة له، لأن هذا الاتفاق تحول لخيط حياته ونجاته هو وعصابته، فجميع استثمارات ورهانات روحاني كانت تدور حول الاتفاق النووي وحقيقة خامنئي ذاته عول على الاتفاق النووي للخروج من المأزق ولهذا السبب أصبح كل النظام يعاني من مأزق مميت بسبب فشل الاتفاق النووي.
من جهة أخرى، يخشى روحاني من أن يتم تقديمه على أنه من انتهك وخرق الاتفاق النووي، لأنه يعلم أنه كم تحمل هذه الأعمال الجنونية والتخبطات الإرهابية من ثمن باهظ بالنسبة له.
ولكنه حقيقة لا يملك سوى هذا الطريق فهو يبني حساباته على أساس من الممكن أن يتراجع الجانب الآخر أمام هذه الأفعال والعواقب الخطيرة ونتيجة ذلك تخفف شدة إحكام حبال العقوبات الملتفة حول رقبة النظام.
وفي الوقت الذي يتطرق فيه روحاني للمديح والإشادة بقوات الحرس، شهدت ذات الأيام صراعات بين عصابة روحاني مع منظمة استخبارات قوات الحرس في الجلسة العلنية لبرلمان النظام حيث وصلت صراعات وحروب الذئاب لذروتها.
هناك العديد من الأمثلة على ذلك، فالملا ذو النور، الذي يشغل حاليا منصب رئيس لجنة الأمن الوطني والسياسة الخارجية لمجلس شورى النظام، هاجم هذا الأسبوع روحاني بشدة وقال مخاطبا روحاني، إذا لم تقم بمواجهة الجواسيس، فلا تقيد عمل الأجهزة الأمنية.
ويقول ذات الشخص مخاطبا ظريف: "مرشدنا يقول نحن لن نفاوض أمريكا تحت أي ظرف ورئيس الجمهورية يقول نحن لم ولن نغلق باب التفاوض مع أمريكا".
السؤال المطروح هنا، ماذا يحدث؟
هل هذه لعبة أم أن كلا الجناحين وقف أمام الآخر بطبيعة وتوجهات مختلفة؟ الجواب لكلا السؤالين لا، ليست لعبة وليس هناك تفاوت بين الجناحين. هذه الحرب والصراعات من جهة انعكاس حتمي للأزمات التي علق فيها النظام، ومن جهة أخرى هي حرب القوة من أجل النهب والسرقة أكثر.
إن حرب وصراعات عصابات النظام لا تدور حول المثل العليا أو الأفكار أو حتى السياسات، بل كما قال مجاهدو خلق والمقاومة الإيرانية دائما، هؤلاء لهم طبيعة واحدة ومتشابهون من أعلاهم حتى سافلهم. ويمكن رؤية مشاركة عمل ورؤية هاتين العصابتين في جميع مراحل تاريخ نظامهم ومن بين ذلك:
المشروع اللا وطني واللا إنساني النووي. بدأ في فترة رئاسة رفسنجاني و كان روحاني ذاته أحد الأشخاص الرئيسيين في التفاوض لسنوات عديدة.
عمليات القتل المتسلسلة التي حدثت خلال فترة خاتمي.
الإعدامات التي حدثت في الثمانينات، وخاصة في عام ١٩٨٨، الأعمال الإرهابية في التسعينيات ومذبحة الثمانيات في العراق، في الحرب السورية وفي جميع حروب النظام الأخرى، كان هؤلاء متورطين فيها.
وضع النظام مدمر لدرجة أنه جاء في أحد المنشورات الداخلية لقوات الحرس عن تقييمات الانتخابات المستقبلية لمجلس شورى النظام في شهر فبراير القادم:
"... بعض الشخصيات المنظرة في الحركة الإصلاحية تعتقد أن إمكانية الاستقطاب الانتخابي قد تقلصت.
تظهر الظروف أنه لا يمكن بسهولة جعل المناخ والمساحة ثنائية الأقطاب ولا يمكن جلب الناس إلى مكان الحدث بالاستفادة من هذا المناخ والمساحة.
القطبية وإمكانية تقبلهم ومشروعيتهم فقدوها، هذا يعني أنه ليس من الممكن إنشاء مساحة يمكنك فيها جعل شخص يصوت لصالح قطب على حساب القطب الآخر. لأن القطبين فقدا إمكانية قبولهم ومشروعيتهم ويبحثون عن تيار ثالث".
هذا هو المأزق المميت الذي يعاني منه النظام وفي النهاية تم فضح لعبة الإصلاحي والأصولي بالنسبة للشعب وشعار "أيها الإصلاحي وأيها الأصولي لقد انتهت اللعبة" انكشف لكل طبقات وشرائح المجتمع ومع وجود مقاومة وطنية ومعاقل الانتفاضة بدعم المقاومة الإيرانية ومجاهدي خلق لم يتبقى للنظام أي مفر للنجاة بحياته.