آخر دكتاتور من عائلة بهلوي.. من هو الشاه محمد رضا؟

مع دخول الثورة الإيرانية شهرها الخامس، ومع استمرار مطالبات الشعب المنتفض بإقامة نظام ديمقراطي حقيقي من خلال ترديدهم هتافات (يسقط الظالم، سواء كان الشاه أو الملالي) .. يتحدث فريق يضم (الانتهازيين الذين يرتدون قناع الوطنية وبعض السطحيين الذين يطبّلون بدون رؤية ولا هدف) عن وجود احتمالات لعودة الدكتاتورية البهلوية المخلوعة في إيران.

وعلى الرغم من أن هذا أمر مستحيل تاريخياً، إلا أنه من الضروري معرفة من كان محمد رضا شاه، آخر دكتاتور بهلوي، وكيف أدت سياساته إلى سلسلة من الانتفاضات وصولاً الى ثورة 1979 التي أدت الى خلعه، كيف ساعد الملالي في سرقة ثورة الشعب الإيراني؟

ولد محمد رضا عام 1919 في طهران، وكان ثاني شاه لدكتاتورية بهلوي. ومنذ السنوات الأولى من حكمه لم تكن هناك أية ملامح أو بوادر للديمقراطية في إيران، كان منهجه واضحاً: قمع مطلق وربط مصير نظامه بالقوى الأجنبية.

ولتحصين نظامه، بدأ الشاه بسحب الجيش إلى جانبه ودعمه، واعتبره جزءً من اقطاعيته الشخصية، ثم بدأ تدريجياً بتقليص سلطات البرلمان وتضييق الخناق على الصحافة. وسرعان ما بدأ بالتصادم مع المعارضين، وبالتحديد مع محمد مصدق، وهو قومي إيراني متحمس، وعضو في المجلس قاد التشريع في المجلس الذي يدعو إلى تأميم صناعة النفط الإيرانية، منهياً ما يقرب من 50 عاماً من الاحتكار البريطاني لعائدات النفط الإيراني.

في مارس 1951، نجح مصدق في تمرير مشروع قانونه في البرلمان لتأميم أصول شركة النفط الأنجلو-إيرانية (AIOC)، التي عُرفت فيما بعد باسم بريتيش بتروليوم (BP).

وكان وليام دارسي، وهو رجل أعمال بريطاني، قد اشترى حق استغلال حقول النفط الإيرانية في عام 1901، ودفع للأسرة الحاكمة في البلاد 20 ألف جنيه إسترليني مع وعد بحصة 16٪ من الأرباح السنوية، ولم يستفد الإيرانيون من هذه الاتفاقية إطلاقاً، وبالنسبة لهم كان الدكتور مصدق هو بارقة الأمل التي تلوح في الأفق.

ونظراً لتزايد شعبية مصدق، اضطر الشاه إلى تعيينه رئيساً للوزراء في نيسان/ أبريل 1951. وخلال فترة ولايته القصيرة (نيسان/ أبريل 1951 - آب/ أغسطس 1953)، رفض تدخل الشاه غير المشروع في شؤون الحكومة.

استعان الشاه بأسياده الأمريكان والبريطانيين الذين أطلقوا عملية (أجاكس) لإعادته إلى السلطة بانقلاب، واعتقل الدكتور مصدق بتهمة الخيانة وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وبعد إطلاق سراحه، ظل قيد الإقامة الجبرية لبقية حياته.

ثم قام محمد رضا شاه باستبدال شركة النفط المؤممة بتكتل نفطي دولي يتقاسم ثروات إيران النفطية مع الشركات الأمريكية.

وبدعم من الولايات المتحدة، أطلق برنامجين رئيسيين، جاعلاً مِن نفسه (الحذاء الأمريكي في المنطقة) ، الأول هو ما يسمى بـ (الثورة البيضاء) التي أثار الشاه جعجعة كبيرة حولها، وكانت تهدف ظاهرياً لخدمة المزارعين الإيرانيين الفقراء، ومع ذلك، كان هذا الإصلاح من الأعلى يهدف إلى الحفاظ على أنماط القوة التقليدية وحماية حكم الشاه من مجتمع غاضب.

كانت إصلاحات الأراضي، في الواقع، لصالح النخبة الحاكمة، وأصبحت عائلة بهلوي نفسها أبرز المزارعين التجاريين الجدد، في حين لم يتمكن العديد من المزارعين من حيازة أية أرض، لذلك اضطروا للهجرة إلى أطراف المدن والعيش في بيوت الصفيح، ليصبحوا لاحقاً عمالة رخيصة في المصانع المنشأة حديثاً. إلى جانب ذلك، أدى ما يسمى بالزراعة الصناعية إلى خفض الصادرات الزراعية الإيرانية، وبحلول أوائل السبعينيات، كانت إيران تستورد العديد من السلع الزراعية.

وتضمنت مبادرة الشاه - التي جاءت استجابةً للمطالب الأمريكية بمزيد من الانفتاح السياسي في إيران - إنشاء حزب راستاخيز (القيام) الذي كان يسيطر عليه النظام بالكامل وأصبح الحزب السياسي الوحيد في إيران، مما أدى إلى تحويل البلاد إلى دولة الحزب الواحد.

بالمقابل، في عام 1958، ساعد الأمريكيون الشاه في تشكيل شرطة السافاك السرية المخيفة بمساعدة وكالة المخابرات المركزية، وبدأ الشاه حملة قمع قاسية ووحشية استهدفت حركات المعارضة، بالتزامن مع وجود شبح الإسلاميين الراديكاليين مثل روح الله الخميني، الذين اختطفوا في وقت لاحق ثورة 1979.

وبحلول أوائل السبعينيات، كانت هناك مؤشرات متزايدة على أن مشاعر الشاه المزدوجة المتمثلة في التحديث والقمع السياسي بدأت تأتي بنتائج عكسية.

تسبب الصراع العربي الإسرائيلي في عام 1973 في ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط، مما أدى إلى توليد عائدات نفطية ضخمة لإيران وغيرها من الدول الغنية بالنفط، لكن هذه الثروة النقدية المفاجئة لم تسهم في إنعاش الاقتصاد الإيراني، الذي كان يفتقر إلى البنية التحتية المناسبة. في الواقع، لقد بدد الشاه المليارات على جيشه وما يسمى بخطط البناء، كما أدت زيادة الاستثمارات في الأسواق المختلفة من قبل القوى الأجنبية، إلى جانب استيراد النظام الضخم للسلع، إلى شل الاقتصاد الإيراني وزيادة التضخم وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، وهذا زاد من غليان المجتمع.

وطوال الوقت، استمر الشاه في قمع الحريات، وأدى حظره لجميع الجماعات السياسية، باستثناء حزب راستاخيز، إلى خيبة أمل بين سكان إيران البالغ عددهم آنذاك 25 مليون نسمة، على غرار ما يجري اليوم بعد أن أثار فرض النظام الإيراني لقوانين الشريعة غضب السكان.

وبالمثل، كان هوس الشاه بالقيم الغربية يدفع الناس ببطء إلى العودة للمطالبة بدينهم، وأثارت حملته الوحشية ضد الأصوات المعارضة مطالب بالإطاحة به.

لذلك قرر الشعب الإيراني ذات مرة أن يدفع الثمن الباهظ لحريته. ومن عام 1977 إلى عام 1979، بدأت الثورة تتشكل، وفي عام 1979، حصل الإيرانيون أخيرًا على حريتهم التي وللأسف لم تدم طويلاً، حيث اختطف الخميني الثورة، إن اغتصاب القوة هذا هو النتيجة المباشرة لاضطهاد الشاه.

لقد اعتقل وعذب وأعدم القادة الحقيقيين للثورة الإيرانية، وتم سجن القلة المتبقية حتى الأيام الأخيرة للثورة، مما سمح للخميني أن يشعر بالفجوة ويفرض نفسه كآية الله العظمى المحسن الذي يريد السلام، وبهذه الطريقة مهّد الشاه الطريق لصعود الخميني إلى السلطة، وبعبارة أخرى، كان الخميني الوريث الحقيقي للشاه.

ومع ذلك، فإن ثورة الشعب الإيراني لم تتلاش في أركان التاريخ الأكثر ظلمة، لأن المعارضة الإيرانية، منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، بدأت صراعاً لاهوادة فيه مع النظام.

لقد دفعت منظمة مجاهدي خلق هذا الثمن من خلال التضحية بأكثر من 100 ألف عضو ونصير. لقد كشفت المقاومة الإيرانية برنامج السلاح النووي للنظام وأنشطته الإرهابية وانتهاكاته لحقوق الإنسان، وبالتالي حشدت المجتمع الدولي ضده.

في الوقت الحاضر، تعمل شبكة المقاومة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق مثل رواد الانتفاضات بينما تنشر ثقافة تحدي النظام في المجتمع الإيراني.

لقد حافظت المعارضة الإيرانية على قيم ثورة 1979 المجيدة في إيران، والآن الإيرانيون من جميع مناحي الحياة مصممون على القيام بثورة جديدة.