مصطفى النعمان يكتب:
كيف وصلنا إلى أحداث عدن
في 8 يوليو 2014 استولى الحوثيون على محافظة عمران بعد حصار استمر شهرين.
* في 21 سبتمبر 2014 تم التوقيع على اتفاق السلم والشراكة بحضور الرئيس هادي ومبعوث الأمم المتحدة جمال بنعمر وحضور ممثلي كل الأحزاب اليمنية.
* تم الترحيب بالاتفاق من كافة المنظمات الدولية والإقليمية، ورحبت به الحكومات العربية والسفارات الغربية.
* في 21 يناير 2015 تم وضع الرئيس هادي تحت الإقامة الجبرية في منزله بصنعاء وشكلت جماعة الحوثيين مجلسا ثوريا لحكم البلد بموجب ما سمته إعلانا دستوريا.
* في 21 فبراير 2015 تمكن الرئيس هادي من الهروب والوصول إلى عدن.
* مرة أخرى تمت محاصرة الرئيس هادي هناك لكنه أيضا تمكن من الفرار عبر سلطنة عمان ووصل إلى السعودية.
* في 25 مارس 2015 استنجد الرئيس هادي بالمملكة العربية السعودية طالبا التدخل لاستعادة سلطته الشرعية في صنعاء.
* في 26 مارس 2015 بدأت الحملة العسكرية تحت شعار “عاصفة الحزم”.
* في 21 أبريل 2015 صرح اللواء أحمد العسيري بأن “عاصفة الحزم” أتمت أهدافها، وأعلن بدء عملية “إعادة الأمل” لإعادة الأمن والاستقرار إلى اليمن والمنطقة.
* في 22 يوليو 2015 أعيد فتح مطار عدن بعد إخراج كافة قوات الحوثيين من داخل المدينة.
* في أكتوبر 2015 تم إخراج الحوثيين من مأرب.
هذا السرد هو ملخص زمني يمكنني أن انتقل منه إلى تفسير الأوضاع الحالية من وجهة نظري. كانت سنوات حكم الرئيس هادي في صنعاء متسمة بالارتباك وعدم القدرة على التحكم في مسار العمل السياسي، ولم يبذل الجهد المطلوب في مرحلة تحول وطني تستدعي متابعة ويقظة وتواصل.
ولا يساورني الشك في أنه استمتع بموقع الرئاسة ومباهجها وتصدره المشهد داخليا وخارجيا، وذلك أمر أراه طبيعيا بعد أن قضى حياته العسكرية كضابط مغمور قفز فجأة إلى موقع وزير الدفاع ثم نائبا لرئيس الجمهورية مدة 18 عاما في ظل حاكم كان الأقوى في تاريخ اليمن وأكثرهم حضورا ونفوذا… لقد أخبرني واحد من أقرب مساعدي هادي السابقين بأن الرجل كسول ولا يرغب في الاطلاع علـى الملفات وكان يحيل أهمها إلى أبنائه للتعامل معها.
لم يتمكن هادي من تحقيق الآمال التي خرجت من أجلها الشابات والشبان إلى الساحات مطالبين بالتغيير السياسي والاجتماعي، وأحال الأمر إلى مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي أنتج المئات وربما الآلاف من التوصيات التي تم إيجازها في مشروع دستور، ثم أيضا تم إقرار ما عُرف بالأقاليم الستة بطريقة كانت أقرب إلى العشوائية والفرض ووقع عليها البعض بمغريات السلطة واعترض البعض على استحياء.
إن الطريقة التي تمت بها إدارة المرحلة الانتقالية كان من المحتم أن تصل بالبلاد إلى الكارثة، فالرئيس اعتمد كلية على الدعم السياسي والمادي الخارجيين متجاهلا الداخل، وكان يقول لزائريه (أنا معي السفير الأميركي وجمال بنعمر).
اقتحم الحوثيون عمران تحت شعار “الجيش يقف على الحياد” لأن الرئيس صمت ولم يقاوم، ولم يقدر الأمر خطرا على الدولة اليمنية بل فرصة للتخلص من خصوم له، ثم واصلوا المسيرة لاحتلال صنعاء وقبل الرئيس باتفاق السلم والشراكة الذي كان تمهيدا للانهيار الذي تلاه، وتخلى عن اللواء علي محسن الأحمر وكان حريا به أن يستقيل حينها حفاظا على ما تبقى من كرامة الدولة التي أهدرت حين ترك اللواء الشهيد القشيبي يواجه مصيره وحيدا في عمران. وفقدت هذه الشرعية كل مشروعيتها الأخلاقية والوطنية بعد أن برهنت عن عجز فاضح منذ 2012، وورطت الإقليم في حرب كان يمكن تفاديها لو أنها كانت يقظة ونزيهة ووطنية. ونتج عن الفراغ الذي تسببت به نشوء أجسام مسلحة على امتداد اليمن صارت أقوى وأكثر تأهيلا وتدريبا من عناصر الحكومة.
قلت في أكثر من محفل إن الخطأ الأكبر في تعامل التحالف مع الرئيس هادي وأعضاء حكومته هو السماح لهم بتجنب الخوض في كل مراحل التخطيط والتنفيذ خلال الأشهر الستة الأولى، وفضل أن يكون التعامل معهم كضيوف كرام في المملكة، بل أني زدت بالقول إنه كان من المفترض توقيع اتفاق أسميته “عقد عمل” مع الرئيس وحكومته يبين مسؤوليات وواجبات كل طرف.
لكن ما حدث أنه تمت استضافة الرئيس في قصر فاخر، وتم تسكين كل القيادات في فنادق فاخرة لأشهر طويلة، وتم منحهم كافة التسهيلات التي تغري بالبقاء لا المغادرة والعودة إلى المقاومة واستعادة السلطة المغتصبة.
إن الطريقة التي تمت بها إدارة المرحلة الانتقالية كان من المحتم أن تصل بالبلاد إلى الكارثة، فالرئيس اعتمد كلية على الدعم السياسي والمادي الخارجيين متجاهلا الداخل
لقد توقع الناس إعادة تشكيل الحكومة بما يجعلها قادرة على العمل وكسب ثقة المواطن بها، ولكن مع مرور الوقت ثبت أنها غير قادرة وأن وزراءها فضلوا السكينة والهدوء خارج البلد مع أسرهم تاركين مصير الناس للمجهول.
فقد اليمنيون بعد مرور ما يقارب من خمس سنوات منذ بداية الحرب الأمل في حسمها، وصارت غايةُ الأماني وقفَها ليبدأ الناس التكيف مع أوضاعهم بعيدا عن الخوف والهلع، ولا أتصور أخلاقيا وإنسانيّا أن يطالب البعيدون عن الدماء والدمار باستمرار الحرب حتى النصر.
إن الأوضاع المهترئة الفاسدة للشرعية بكل مؤسساتها وأوضاع المواطنين الكارثية وانقطاع المرتبات هي التي منحت المجلس الانتقالي الجنوبي قدرة السيطرة على الأرض في عدن! وهي التي ستمنح أي كيان آخر يقبله الناس بديلا عنها!
صحيح أن الرياض وأبوظبي دخلتا الحرب استجابة لطلب الرئيس هادي، لكن الصحيح أيضا أنهما ليستا جمعية خيرية للدفاع عن العاجزين والقيام بحمايتهم وإيوائهم… العاصمتان لهما مصالح تدافعان عنها وتحددان سقفها وبموجب هذا تدخلتا وبموجبه تقرران متى تتوقفان. أعني هنا أن قرار انتهاء المعارك العسكرية لم يعد قرارا يمنيا ولا يتوهم يمني واحد أن أحدا سيطلب من الرئيس هادي التوجيه بالتوقف أو الإذن بالاستمرار.
إن أقصى ما يتمناه هادي وأعضاء حكومته البقاء مرتاحين في قصره بالرياض وأجنحتهم الفارهة ومواكبهم المصاحبة، وألّا يزعجهم أحد بأن الحرب توقفت، حتى لا تبدأ رحلتهم الجديدة في البحث عن قصر آخر وأجنحة أخرى في عاصمة أخرى.