مصطفى النعمان يكتب:
اليمن وغياب المجلس "الرئاسي"
راهن كثيرون على تحسن الأوضاع بعد إزاحة الرئيس عبدربه منصور هادي فجر السابع من أبريل (نيسان) 2022، إذ كانوا يرون أنه وحده يمثل حجر عثرة أمام أي تحرك سياسي للشرعية، وأنه سيقود إلى تثبيت الأوضاع الأمنية والخدمية في المحافظات الخاضعة نظرياً لسلطتها.
وخابت توقعات الذين راهنوا على تحسن الأوضاع والأداء على رغم أنهم كانوا يتمنون ذلك، لأن القوى السياسية اليمنية تركز كل جهودها وتكتفي تقليدياً بالعمل على إزاحة الحاكم في السلطة وتحميله كامل المسؤولية دون أن يكون لها برنامج معروف وواضح تناضل لتحقيقه بعد حدوث أي تغيير.
في اليوم الأول لعودة مجلس القيادة الرئاسي كاملاً إلى عدن، أدى أعضاؤه اليمين الدستورية في 19 أبريل 2022، وتوقع المواطنون أن يستمروا في العمل ليل نهار لإصلاح الانهيارات في مجمل المجالات الخدمية، وأن يحدث فيها تحسن تدريجي، ولكن شيئاً من ذلك لم يتم، فتزايد يأس الناس وتواصل غضبهم وحنقهم، وشعروا بعدم جدية المجلس في مواجهة المصاعب التي كانت سبباً رئيساً في خلق انطباع وقناعة داخلية وإقليمية ودولية بضرورة إزاحة الرئيس هادي عن المشهد، وأن ذلك سيمثل بداية انطلاقة إيجابية ينتظرها الناس.
عقدت كثير من جلسات "المجلس" عبر "زووم" وتغيب عدد من الأعضاء بعد تعذر وجودهم في مدينة عدن لأسباب غير معلنة عدا التسريبات الإعلامية غير المحققة، ولكن الإشكالية الحقيقية في عدم انتظام أعمال المجلس وتفعيل دور الأعضاء، هي تعمد عدم إقرار لائحة تحدد اختصاصاتهم ومسؤولياتهم وموازنته.
ومن دون هذا سيظل العمل عشوائياً ومتخبطاً، والأخطر أن أداءه حتى اليوم غير مقنع إلا للمستفيدين من هذا الإرباك الذي يستنزف كثيراً من الموارد لشراء الولاءات المتقلبة والإنفاق غير الضروري.
كما أن طريقة إدارته ما زالت غامضة ولا أحد يعلم بعد مرور سبعة أشهر اختصاصات مكتب الرئاسة وصلاحياته ومن العاملين في دوائره المختلفة.
نجاح المجلس في إنقاذ سمعته وتماسكه لن يحدث إلا بأن يعي كل عضو فيه واجباته وصلاحياته، وبأن يفهم الناس تلك الواجبات والصلاحيات، ولكن الحاصل حالياً هو أننا أمام كيان هلامي لا أحد يعلم كيف يدار وكيف تتخذ القرارات (بعيداً من الصيغة الرسمية التي لم تتغير لغتها الخشبية المملة).
ومن الضروري أيضاً أن تكون نفقات "المجلس" شفافة ومعلنة لأن الأرقام الفلكية المتداولة عن مخصصات الأعضاء والإنفاق غير المبرر دلالة على عدم الشعور بحال البلاد والعباد وبؤسهم.
كان إعلان السابع من أبريل غير واضح في توزيع الصلاحيات بين أعضاء "المجلس" فوجدنا أحد أعضائه يترأس جلسة رسمية لمجلس الوزراء ويصدر توجيهات ويقر تعيينات، وهو وضع شاذ لا يمكن استمراره بأي حال لأنه سيحول أعضاء المجلس إلى أجرام فلكية تتحرك من دون قيود خارج نطاق الجاذبية، ويمكن أن تصطدم ببعضها فيحدث انفجار لا تحتمله البلاد، وستصيب شظاياه الجميع ولن ينجو أحد.
والمثير للقلق أن أعضاء "المجلس" يعملون في ظل غموض وسرية كانوا هم جميعاً والناس يشكونها في عهد الرئيس هادي الذي كان معروفاً بعدم حساسيته لما يقال عن أدائه وعن نفوذ أبنائه والمقربين منه، وهو ما يتكرر اليوم.
إذا بقي حال إدارة "المجلس" بهذا الأسلوب البدائي فإنه سيواجه موقفاً شديد الصعوبة يتعلق بقضايا مصيرية كبرى لن يتمكن من معالجتها في ظل الممارسات الحالية.
ويكفي الانتباه إلى التعيينات غير الدستورية التي تمت باسم "المجلس" وجرى الإعلان عنها دون تدقيق في صلاحيتها، وهي تجاوزات تؤشر إلى أسلوب تفكير ومنهاج عمل يضعان الناس أمام أمر واقع معوج عليهم تقبله والرضوخ له، وهذا أمر شديد الخطورة لأن السكوت عنه سيتيح المجال واسعاً لمزيد من الإرباك في مرحلة يجب أن تكون النزاهة شعارها والشفافية والوضوح نهجها.
من المحتم أن يظهر المجلس، مجتمعاً وفردياً، الجدية في خدمة الناس والقدرة على تحمل المسؤولية ومواجهة المخاطر وممارسة السلطة الممنوحة لهم، وسيتسبب عجز الرئيس عن إدارة أعمال المجلس بحزم في توسيع رقعة الخلافات التي لا تخفى على أحد وهو دون شك يعي أنه لا يمتلك القدرة على الحكم منفرداً ولا عنده القوة الكافية لمواجهة الانهيار الكامل المحتمل للهدنة وعودة الأعمال العسكرية التي توقفت عملياً في الثاني من أبريل 2022.
وإذا ما حدث ذلك فإنه سيكون وحده في الواجهة ما لم يتدارك الأمر بإجراءات جادة قد تساعده في كسب ثقة الناس بعيداً من غوغائية وهزال الإعلام الرسمي والمستأجر.
في هذا الواقع المرتبك والمربك يواجه "المجلس" معضلة، ومأزقاً في كيفية التعامل مع الأوضاع الهشة عسكرياً وأمنياً وسياسياً واقتصادياً وخدمياً، وهو وحده المطالب بإعلان خططه لوقف انهياراتها اليومية وإبلاغ الناس بها، وليس في هذا تبرئة للحكومة، وإن كانت قد تخففت من أحمال الاتهامات الموجهة إليها، فقد أصبح "المجلس" هو المنوط به وضع الخطوط الكبرى للسياسات في المجالات كافة وتكليف الحكومة تنفيذها.
ومن الواضح أن كل ما صدر عنه ليس أكثر من وعود وبيانات وصور تملأ الفضاء الإلكتروني وسفريات غير ذات مردود على المواطنين يقوم بها الرئيس والوزراء.
ما يجب أن يفعله "المجلس" هو أن يكون في حال انعقاد دائم ويعلن للناس ماذا يصنع أعضاؤه طوال اليوم، ويكفي تذكيرهم بأن برامج الرؤساء في الغرب معلنة للناس حتى يعلموا ماذا يصنع الحاكم الذي يدير شؤونهم، وهكذا يمكن محاسبتهم على إنجازاتهم الفعلية لا الإعلامية.