علي قاسم يكتب:

في مواصفات عصفور الاتحاد العام التونسي للشغل

عندما أعلن رئيس حركة النهضة التونسية، راشد الغنوشي، أنه يبحث عن عصفور نادر يكون مرشحا للرئاسة لم يحدد صفات هذا العصفور، وعندما وقع اختاره على عبدالفتاح مورو لم يكن مضطرا إلى تقديم البراهين على أن مورو يمتلك من الصفات ما يجعل منه عصفورا نادرا.

نورالدين الطبوبي، الأمين العام التونسي للشغل، لم يتحدث عن عصفور نادر، وقد يكون السبب في ذلك احترامه حق الملكية الفكرية. فهو أولا وأخيرا رئيس أكبر منظمة تونسية تدافع عن حقوق منتسبيها وعن حقوق التونسيين.

الطبوبي نشر مقالا يحمل إمضاءه على الصفحة الرسمية للمنظمة على فيسبوك، يحدد فيه الصفات التي يجب أن تتوفر في رئيس الجمهورية ليحظى بدعم المنظمة الشغيلة. المواصفات لا تشير فقط إلى عصفور نادر، بل هي تشير إلى عصفور منقرض، العثور عليه أصعب من العثور على طائر الدودو.

قائمة من المواصفات موزعة على خمس مستويات: الشخصي، والسياسي، والاتصالي، والاقتصادي، وأخيرا الاجتماعي، كل مستوى منها يتضمن عدة مواصفات يجب أن تتوفّر في المرشح ليحظى بمباركة الاتحاد.

لا يمكن لنا إلا أن نوافق على كل شرط جاء فيها، فكلنا يرغب في رئيس لتونس على مستوى عال من المعرفة، والخبرة في إدارة الشأن العام، وفي تسيير الأمور وحسن التصرف، منفتح على الأفكار الجديدة، قادر على الاستشراف واتخاذ القرار في الوقت المناسب، صارم عند الحاجة، مستقل، يغلّب مصلحة البلاد، وينأى عن الاعتبارات العائلية والذاتية والشخصية والحزبية الضيقة.

وفوق كل ذلك متواضع مؤمن بقيم التسامح والانفتاح والتعايش السلمي والحوار المدني، متشبع بالقيم الكونية لحقوق الإنسان. حافظ لتاريخ البلاد، مثمّن لروادها ومبدعيها، متشبع بهويتها وبموروثها الثقافي، داعم لقيم الحداثة والتقدم، مدافع عن حقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية والاجتماعية وعن الحريات العامة والفردية، مؤمن بالمساواة التامّة والفعلية بين الرجل والمرأة، حريص على العدالة.

ومن الصفات التي تم اشتراطها أيضا أن يكون صارما ضدّ كلّ أشكال العبودية الجديدة والميز العنصري والنزعة المحلية والعشائرية والفئوية، وألا يقبل الظلم والاحتقار والحطّ من القيمة البشرية والتفاوت بين الطبقات والجهات.

هذا على المستوى الشخصي فقط، ولكم أن تتخيلوا قياسا على ذلك باقي ما جاء في القائمة، أو تقوموا بمراجعة الصفات التي يجب أن يتحلى بها عصفور الطبوبي المنزه عن الهوى.

النص لا عيب فيه، مشغول بعناية، ترشحه لأن ينقش على حجر، ويرفع نصبا في الساحات، ويدرج ضمن نصوص تدرس للطلبة في المدارس العامة تحت عنوان: في مواصفات المرشح لرئاسة الجمهورية.

الطبوبي زعيم أكبر منظمة نقابية تونسية، تضم 500 ألف عضو، منحت عام 2015 جائزة نوبل للسلام، بوصفها واحدا من مكونات رباعي الحوار التونسي، الذي نجح في الخروج بتونس من أزمتها السياسية عبر الحوار الوطني، وتوصل إلى المصادقة على دستور تونس 2014 وتنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية.

لا نعلم بالضبط ما هي دوافع الاتحاد العام التونسي للشغل إلى نشر هذه القائمة من المواصفات، ولكن قد يكون واحدا من تلك الدوافع النأي بالنفس عن التورط في اختيار رئيس تونس المقبل؛ أي أن والد العروس، وهو هنا الاتحاد، وضع شروطا تعجيزية، أمام العريس، والذي هو هنا الرئيس.

ماذا لو طبقنا الشروط التي جاءت في المقال على رؤساء وزعماء مثل: ترامب، وبوتين، وماكرون، وساركوزي، وجونسون وغيرهم؟ هل كان لواحد منهم أن يحظى بالفوز بمنصب رئيس؟ الأمر مشكوك فيه.

كان بإمكان الطبوبي أن يوجز القائمة، لتقتصر على ما هو جوهري: الخبرة في إدارة الشأن العام، القدرة على تجميع كافة القوى السياسية والمدنية حول مصلحة الوطن، وعلى الارتقاء بالدبلوماسية التونسية وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، وتوسيع مجال التعاون والاتفاقيات التي تخدم مصلحة البلاد.

وبالطبع، ليفعل ذلك يجب أن يكون مدركا لأبعاد الأزمة الاقتصادية في تونس، حريصا على التنسيق مع جميع الأطراف، من أجل التوافق حول برنامج اقتصادي واجتماعي وثقافي وبيئي، لإنقاذ البلاد ومقاومة الفساد بكل أشكاله.

وأخيرا أن يرصد نبض الشارع التونسي، ويكون سندا للفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة والطاعنين في السن، نصيرا لقضايا المرأة ومدافعا عن حقوقها.

سؤالان أخيران للسيد نورالدين: هل تعتقد أنك طلبت المستطاع؟ وهل تنتظر بالتالي أن تطاع؟