نورا المطيري تكتب:
سهرة على الجزيرة
قال له تميم، بنبرة يختلط فيها الخوف مع التودد: «يا حمد، (بليز)، اتركهم في الجزيرة يقومون بعملهم، وإذا عندك شيء، اتكلم مع ابن ثامر مباشرة، ولا تذهب لصغار الموظفين، (بليز)». ظل ابن جاسم جالسا ونظر إلى والد تميم الممدد على سريره، فأغمض له عينيه بمعنى أن لا يُعقب، ثم أشعل سيجارة دون أن ينظر إلى المدلل الذي بقي واقفا ينتظر الجواب.
فكّر ابن جاسم تلك الليلة باستدعاء حمد بن ثامر رئيس الجزيرة، لتوبيخه على الشكوى المقدمة لتميم، لكن مستشاره حمد خليفة العطية طلب منه التمهل، واقترح سهرة يُدعى إليها ابن ثامر وعزمي بشارة وأن تضم أيضا مدير الجزيرة السابق أبو هلالة والحالي السقطري اليافعي وبعض نجوم القناة، وأن لا تبدو المسألة وكأنها خلاف بقدر أنها سهرة ودية مع ابن ثامر، وقال: «ستكون في بيتي.. منعا لأي إحراج».
خلال السهرة الترفيهية، عرف ابن ثامر سبب دعوته لكنه أخفاها في صدره، وراح يبتسم لابن جاسم ويجامله، تحدث معه في الشأن السياسي، فرفع صوته فوق صوت الأغاني الصاخبة، وقال إنه سعيد بتصوير أمريكا أنها فشلت في لجم إيران، وأن جهود ابن جاسم قد أثمرت، اقترب أبو هلالة على وقع كلمة إيران، وقف قريبا منهما، وتردد الخوض في النقاش، كان يعلم أن ابن ثامر سوف يتجاهله، كالعادة، لكنه تجرأ وقال: ليس أمريكا فقط بل السعودية والإمارات..!
رمق ابن ثامر أبو هلالة نظرة متفحصة، وحاول العودة لاستكمال حديثه مع ابن جاسم، لكن الدماء التي تغلي في عروقه، جعلت ابن جاسم يشير إلى أبو هلالة أن يقترب أكثر ويكمل حديثه، فتشجع أبو هلالة، كما يتشجع العبد حين يأمره سيده بمهمة ما، وقال: «ملاحظاتكم سيدي كان لها أبلغ الأثر في تقارير الجزيرة، ليس على إيران وتلميعها وإظهارها كقوة واجهت أمريكا والخليج، بل في اليمن أيضا، خاصة موضوعي عدن وسقطرى».
دفع بشارة السقطري اليافعي بيده اليمنى، كأنه يجرّه لإنقاذ مديره ابن ثامر من المأزق، كان يحمل في اليد الأخرى كأسا، فتعثر وسقطت من يده، فلفت انتباه الجميع، لكن السقطري المعجون على الذل والإهانة، احتضنه بسرعة، وابتسم لابن ثامر وابن جاسم وقال: نحن نعمل جميعا حسب ما يراه والدنا حمد والأمير تميم، ولا غنى لنا عن توجيهاتكم جميعا.
قال ابن جاسم غير مبال بالعبد السقطري: «حاليا لا يعجبني ما تفعلون، منذ خاشقجي، فأنتم تنتجون نفس التقارير والأخبار
والمواضيع، ليس هناك تناول جديد وأفكار مبدعة، كما كانت الجزيرة في عهد أبو هلالة، كانت الجزيرة متفوقة، وحققت أهداف قطر كلها، الآن أنتم في وضع مزر». ثم نظر إلى ابن ثامر وقال: «لا بد من التغيير».
بشارة، أمير قطر الفعلي، لم يكن يخشى ابن جاسم، ولم يعجبه التهديد بالتغيير، ملأ كأسه مرة أخرى، وجلس بين ابن جاسم وابن ثامر وهو يقول: لست مع هذه الفكرة، الآن علينا أن نبدو متماسكين، أكثر من أي وقت مضى، وأن ندع هذه الخلافات، أنت تريد وابن ثامر يريد، وبإمكاننا صياغة اتفاق جديد، يضمن ملاحظاتك وتوجيهاتك، كذلك يضمن دور ابن ثامر كرئيس مجلس إدارة، أما ياسر فهو جيد في كتابة التقارير، يبقى في الظل، ويعمل منسقا بينكم وبين القناة، ما رأيك؟
بسرعة تدخل مستشار ابن جاسم، وأثنى على اقتراح بشارة، وقال: «هذا كلام صحيح، خاصة في هذا الوقت، أي خلاف، وبأي درجة، سيظهر مدى التآكل من الداخل، وهو الشيء الذي لا نحتاجه، ما رأيك ابن ثامر؟»
هزّ ابن ثامر رأسه موافقا، لم يكن يريد إغضاب أحد، ولكن شكاوى السقطري بالتدخلات، جعلته يحادث تميم بالأمر، مع علمه أن تميم لا يقدم ولا يؤخر، لكنه يعلم أن تلك الشكليات مؤثرة أحيانا، فلم يكن يريد السقوط مرة واحدة، فطلب من أبو هلالة، وكنوع من الاتفاق والرضى أن يملأ له كأسه، ثم رفعها إلى بشارة وابن جاسم وقال: «كاسك يا جزيرة»!.