علي قاسم يكتب:

التونسيون سيختارون الأكفأ رئيسا للبلاد

الأحزاب التونسية، وهي على بعد أيام من الاستحقاقات الانتخابية، اختار كل منها عصفوره النادر ليكون مرشحه للانتخابات الرئاسية المقررة منتصف سبتمبر المقبل. من بين 97 متقدما لشغل المنصب اختارت هيئة الانتخابات في تونس قبول أوراق 26 مرشحا، من بينهم امرأتان وعدد من الشخصيات البارزة، لخوض الانتخابات.

العدد قابل للزيادة والنقصان، بإمكان المرشحين الذين رفضت ملفاتهم لعدم استيفائها شروط الترشح، اللجوء إلى القضاء للطعن في قرار الهيئة. وكانت المحكمة المكلفة في النظر بإعادة الطعون قد أعادت في وقت لاحق أربعة مرشحين إلى السباق الرئاسي، لن يتم الحسم بأمرهم قبل الإعلان النهائي لقائمة المرشحين في 31 أغسطس الجاري، وهناك من سينسحب دعما لمرشح آخر.

ويبرز من بين الأسماء التي حسمت الهيئة قبولها اسم رئيس الوزراء يوسف الشاهد، الذي فوّض وزير الوظيفة العمومية، كمال مرجان، ليقوم مؤقتا بمهام رئاسة الحكومة، ليتفرغ هو للحملة الانتخابية. وأثبت الشاهد خلال فترة ترؤّسه للحكومة أنه رجل سياسة يجيد فن المناورة.

وهناك أيضا اسم رئيس الوزراء السابق، مهدي جمعة، الذي يخوض الانتخابات تحت لواء حزبه “البديل”، وكان جمعة قد قاد حكومة كفاءات لتسيير الحكم على إثر الإطاحة بحكومة الترويكا الثانية، عبر مسارات الحوار الوطني، ضمنت تنظيم انتخابات تونس البرلمانية والرئاسية عام 2014.

الشخصية الأخرى التي تحظى باهتمام كبير، وزير الدفاع الحالي عبدالكريم الزبيدي، رجل علم ومعرفة، قبل أن يكون رجل سياسة، استطاع أن يقنع الجميع أن ما يحركه هو حب تونس. إضافة إلى عبدالفتاح مورو عصفور حركة النهضة التونسية النادر. ورأى الجميع أن هذا الاختيار دليل على عزوف النهضة عن منصب الرئيس.

وتضم القائمة الأولية سيدتين، هما سلمى اللومي، رئيسة حزب الأمل وشغلت سابقا منصب وزيرة السياحة ومديرة للديوان الرئاسي. وعبير موسي، رئيسة الحزب الحر الدستوري التونسي. ومن بين المنافسين البارزين الرئيس السابق المنصف المرزوقي، لم تحصنه الثقافة والمناصب الأكاديمية عن الوقوع في النزعة الشعبوية. ونبيل القروي، رجل أعمال وصاحب قناة “نسمة” التلفزيونية الخاصة، الذي أوقف مساء الجمعة، بعد صدور مذكرة إيداع بالسجن ضده، على خلفية قضية رفعتها منظمة “أنا يقظ”، بتهمتي التهرب الضريبي وتبييض الأموال.

وسبق للقروي أن أعلن أن القضية المرفوعة ضده “سببها وشايات من منظمات ومجهولين”، وذلك على خلفية إعلانه الترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة. بينما اعتبر أنصاره أن الإيقاف “سياسي” يدخل في إطار “تصفية الخصوم”.

من بين ملفات المبعدين شخصيات أثارت الجدل، رأى فيها البعض إساءة لهيبة الدولة ومنصب رئيس الجمهورية. بينما رأى فيها آخرون تجسيدا لحق دستوري. راقصة وعدت بمنح المرأة ثلثي الميراث، ومنع الزي “الأفغاني”. وشرطي ظهر بربطة عنق مفتوحة، أكد أنها مقصودة لإيصال رسالة للتونسيين. ورسام بوهيمي يعيش حياة التشرد أثار فضول التونسيين بصورة ظهر فيها بلحية مشعثة وملابس رثة في وداع رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أثناء مرور موكب جنازته وسط العاصمة. وراعي أغنام يعرف باسم “المكشط”، وعد بالدفاع عن حقوق الفلاحين والفقراء.

التونسي اليوم يبحث عن حلول واقعية، لمشكلات يومية، اليسار التونسي لم يدرك هذه الحقيقة، وبقي يدور في فلك التنظير والأيديولوجيا لينتهي مفتتا شبه معزول، يستبعده الجميع من احتمالات الفوز.

اليمين، ممثلا بالنهضة، كان أكثر ذكاء، سوّق لنفسه مظهرا جديدا، الأيام وحدها ستثبت إن كان مجرد كاموفلاج سرعان ما يزول بعد الفوز والتمكن. ورغم ذلك يمكن التنبؤ بأن شهيته ليست مفتوحة على منصب الرئيس. البرلمان ورئاسة الحكومة هما ما يثيران شهيته.

لقد أدرك التونسي أن الوعود لا تملأ معدته، عشر سنوات من الانتظار تكفي ليتعلم ذلك. ويعرف أيضا أن ما سيقدم له خلال الحملة الانتخابية، سينتزع منه بعد الفوز. ولأن التونسي أذكى من أن يطلق الرصاص على قدميه، لن يكون خياره شعبويا، مهما بدت الشعبوية جذابة.

ما يريده التونسي من المرشح الذي سيدخله قصر قرطاج واضح تماما: معايير أرساها الباجي قائد السبسي، هيبة تونس وهيبة القصر وهيبة الرئاسة. وهذه معايير لن تضمنها للمرشح ولاءات خارجية، أو مهارات في التسويق.. تضمنها فقط قدرته على أن يضع نفسه على مسافة واحدة من جميع الأحزاب، وأن يكون محايدا مترفعا عن التجاذبات.

تونس في حاجة إلى رئيس يتابع إثراء وتعميق الدبلوماسية التي بدأها السبسي، خاصة في المجال الاقتصادي وجذب الاستثمارات والتنمية، وأن يرسخ سياسة تونس الدولية البعيدة عن التجاذبات الإقليمية والدولية، والداعية إلى الحلول السلمية.

الرئيس المقبل لتونس، سيجد نفسه مضطرا للتعامل مع برلمانيين يمثلون شريحة واسعة من الأحزاب، لذلك يفضل أن يكون هذا الرئيس، مستقلا خارجا عن السرب. التونسيون، باختصار، يبحثون عن رئيس حكيم، لا يجيد التغريد.. رئيس لا يتقن فن الخطابة وإغداق الوعود.

من يريد أن يتنبأ بالرئيس المقبل لتونس عليه أن يمسك بيده ممحاة، ويشرع بمسح الأسماء من قائمة المرشحين، اسما تلو الآخر، الاسم الذي سيبقى هو رئيس تونس المقبل.