علي قاسم يكتب:

تونس ليست جمعية خيرية

طرح السؤال من المستفيد من إيقاف مرشح الرئاسة التونسية نبيل القروي يحمل الكثير من الإهانة، للقضاء التونسي وللتونسيين أيضا.

الإعلام التونسي وقع في الفخ وعرض القضية على أنها قضية رأي عام. بالتأكيد جرت الأمور بطريقة كان بالإمكان تلافيها، ولكن إن كانت لدى التونسيون أسبابهم لانتخاب القروي رئيسا، سينتخبونه.

الرئيس التونسي الوحيد المنتخب بعد الثورة، وقبلها أيضا، هو الراحل الباجي قائد السبسي.

حينها لم يكن قائد السبسي المرشح الوحيد، ولم يكن شعبويا في خطابه، وكان قد بلغ من العمر عتيّا. إلى جانبه كانت هناك أسماء أخرى أغرقت التونسيين بالوعود، وراهن عليها الإعلام التونسي، ولكن كان للتونسيين رأي آخر، كانوا أكثر حكمة من رجال الإعلام ومن رجال السياسة.

قصة القروي وإيقافه، مشوقة، لا غرابة في أن يتابع تفاصيلها التونسيون، من سائق التاكسي، إلى المحامي ورجل السياسة والدين؛ سيقال الكثير ولكن في النهاية، لن يصح سوى الصحيح، والصحيح أن التونسيين يحسنون الاختيار.

التونسيون، من أنصار رحم الله من أبكاني، وليس من أضحكني. لذلك سيختار التونسي في النهاية من أبكاه، وليس من أضحكه. لأن من أبكاه أراد مصلحته ومصلحة تونس.

ويعلم التونسي أن من يعطيه بيد، سينتزع ما أعطاه باليد الأخرى أضعافا، ما لم يصرح، قبل أن يجزل العطاء ويجزل الوعود، من أين له هذا؟

في برنامجه الانتخابي، ديسمبر 2014، قدم قائد السبسي وعودا، كانت في معظمها تتعلق بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية، وتسويق تونس بوصفها تجربة ديمقراطية ناجحة، والسعي لجلب الاستثمار الأجنبي، لتحريك عجلة الاقتصاد وحل مشكلة البطالة والتشغيل. لم يعد الباجي التونسيين بتحقيق المستحيل، ولم يدَّع أن لديه عصا موسى، يشق بها البحر.. عصا موسى هم التونسيون، وحدهم القادرون على شق البحر.

على العكس من ذلك، ومنذ البداية، يقرر نبيل القروي أن معركته الأساسية ليست ضد خصوم سياسيين، بل معركته هي مواجهة الفقر، متبنيا العمل الخيري، معلنا انحيازه للطبقات الفقيرة.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية قام القروي بحملات خيرية، موزعا المواد الغذائية والملابس والأجهزة الإلكترونية والكهربائية على فقراء في العاصمة وباقي المناطق التونسية. ولم ينس أن يجزل الوعود لفريق النادي الرياضي البنزرتي أيضا.

ولكن القروي نسي أمرين، الأول أن التونسي، مثل الصيني، يفضل أن تعلمه كيف يصطاد، لا أن تقدم له السمك مطهوا.

الأمر الثاني الذي غاب عن القروي، أن الفقر ليس رجلا، ليقضي عليه بالسيف، كما كانت رغبة الإمام علي بن أبي طالب. وهو إن وُفق بالقضاء عليه، فلن يكون ذلك بالتبرعات وفعل الخير.

بيل غيتس، رئيس مايكروسوفت، ووارين بافيت، أكبر مستثمر عرفه التاريخ، تبرعا للجمعيات الخيرية بالمليارات، أرقام تتجاوز ميزانيات دول، ورغم ذلك لم يطمعا بالحكم، ولم تكن التبرعات ثمنا لكرسي يجلسان عليه.

رجل الخير، يجب أن يكون دافعه الوحيد فعل الخير.

من حق التونسيين أن يسألوا القروي من أين لك هذا. ومن حقهم أيضا أن يسألوه السؤال المنطقي الوحيد، كيف ستقضي على الفقر؟ هل تملك ما يكفي لشن حرب ضد الفقر، وما يكفي لكسبها؟

التونسي لا يمانع، أحيانا، من أن يستفيد من “شعرة”. شكرا نبيل القروي، سنحتفظ بالشعرة، وفي الوقت نفسه نصرّ على أن نسألك ما هو برنامجك الانتخابي، وتذكر قبل أن تجيب أن تونس ليست جمعية خيرية.

رجاء، لا تهينوا التونسي، فهو يعرف جيدا الأسئلة التي يجب أن يوجهها للمرشحين لمنصب الرئيس قبل أن يمنحهم صوته الثمين. شكرا، ثانية، لكرمك سيد قروي، ولكن ليس إن كان الوصول إلى الحكم هو الثمن.