د. علوي عمر بن فريد يكتب:

لن نستعيد الوعي إلا بقراءة التاريخ !!!

تعقيبا على مقالة الأستاذ سعيد النخعي الجميلة التي كانت بعنوان ( استعادة الوعي قبل استعادة الدولة) والتي قال فيها :" انه جرى العبث بالهوية الجنوبية وتم خلق وعي مزيف وتاريخ ملفق مما جعل منه أوهاما يجب استعادتها" حسب قوله ..إلى هنا أتفق معه إجمالا ولكنه لم يذكر تاريخ الجنوب العربي القديم للإيجاز أو ربما حتى لا يجرم من قبل تيار الوعي المزيف مما جعله يقرر عدم الخوض فيه !!

وأنا أقول "لن نستعيد الوعي إلا بقراءة التاريخ وفهمه دون تعصب والتخلي عن كل أمراضنا المزمنة جراء ما عانيناه في الفترة من عام 1967م –وحتى اليوم !!ّ

واعتب على الأستاذ سعيد لأنه ذكر فقط حقب سياسية فرضت قسرا على الجنوب العربي كما قال الذي ولد عام 1959م ومات عام 1967م شابا في الرابعة والعشرين ،وبعده جاءت اليمن الديمقراطية حتى العام 1990م كما قال ، وهنا لي ملاحظات أوجزها في الأتي:

1- واقع الجنوب التاريخي كان عبارة عن سلطنات وإمارات ومشيخات ولعل من أبرزها تاريخيا السلطنات التالية :

- السلطنة الكثيرية

- السلطنة العولقية

- السلطنة الواحدية

- سلطنة يافع العليا

- السلطنة العبدلية

هذه السلطنات تعد من أقدم السلطنات في الجنوب وتصدرت مقاومة الغزو الزيدي للجنوب عام 1065- 1654م وقد اتحد سلاطينها لمحاربة الإمام المتوكل إسماعيل وهم :

1-سلطان يافع العليا صالح بن أحمد بن علي هرهره

2- سلطان يافع السفلى معوضه بن محمد بن عفيف

3- سلطان العوالق العليا صالح بن منصر العولقي

4- أمير حالمين قاسم بن شعفل الحالمي

وتم الاتفاق بين المذكورين على التخلص من الحكم الامامي ونوابه في الجنوب ،وثار كل سلطان وقبائله في منطقته ، ولم يقتنع سلاطين يافع بمحاربة الإمام في حدود يافع ولحج وأبين والشعيب والنعوة والربيعتين والظاهر وجبل حديد وحالمين بل ساروا لإنقاذ أهل السنة في حضرموت حتى تم إخراج الزيود من الجنوب كالتالي :

- عدن ولحج من 1054هجرية إلى 1092 هجرية = 38 سنة .

- إمارات الجنوب من 1065هجرية إلى 1092هجرية =28 سنة.

- حضرموت من 1069 هجرية إلى 1092 هجرية =23 سنة.

وخرج الإمام المتوكل إسماعيل صاغرا مهزوما من الجنوب ثم تفرعت من تلك الكيانات أمارات أخرى بعد دخول بريطانيا حتى وصل عددها إلى أكثر من عشرين إمارة .وحافظت كل إمارة على نظامها حتى إن بريطانيا لم تتدخل فيها بجنودها إلا في مدة لا تتجاوز 25 عاما الأخيرة قبل جلائها رغم أنها ترتبط مع بريطانيا بمعاهدات الحماية منذ أوائل القرن العشرين ولم تجبرها على الانصهار قسرا في اتحاد الجنوب العربي الذي أسسته 6 إمارات جنوبية و أعلن عام 1959 م وتركت لبقية الامارت الخيار في الدخول فيه من عدمه ، ثم دخلت عدن في الاتحاد عام 1963 م ثم تبعتها بقية الإمارات طوعا وبقيت سلطنات حضرموت : الكثيري والقعيطي والمهرة خارج إطار اتحاد الجنوب العربي وكانت لها جوازاتها وهوياتها المستقلة وأعلامها الخاصة...وحتى نسمي الأشياء بمسمياتها فقد زورت الجبهة القومية منذ تأسيسها عام 1963م هوية شعب الجنوب وتاريخه وألحقته باليمننة ثم قامت بتجريف الهوية الجنوبية مستغلة صعود تيار القومية العربية والحرب الباردة وفي ظل اختلاف السلاطين على رئاسة الاتحاد وضعف الموارد المالية وقرار بريطانيا الانسحاب من الجنوب ..تم نفي حكام الجنوب الشرعيين وإقصاء كافة الأحزاب الوطنية الجنوبية الذين أصروا على هوية الجنوب العربي وهم زعماء الرابطة والتحرير وحزب الشعب وجرى نفيهم خارج الجنوب وقامت الجبهة القومية بقوة السلاح والمؤامرة البريطانية بتغيير اسم الجنوب العربي إلى اليمني ثم غيرت اسمها إلى الحزب الاشتراكي اليمني ثم غيرت هوية الجنوب العربي إلى اليمن الديمقراطية وكان شعارها "اليمن الموحد" وزجت بالجنوب الأقل سكانا والأكبر مساحة في أحضان نظام صنعاء الهمجي المتخلف متجاهلة الصراعات التاريخية والجغرافيا والمذهب والعادات والتقاليد والسكان والتركيبة القبلية وفارق الوعي ..وتحت الرايات الحمراء الماركسية كان الرفاق يحلمون بصهر اليمن بثقله السكاني وقبائله التي تعيش على السلب والنهب وتركته الثقيلة من التخلف واحتوائه في تجربتهم البائسة والفاشلة في الجنوب الذي ذهب ضحيتها عشرات الألوف من خيرة أبناء الجنوب وظهرت علامات الفشل الوحدوي منذ البداية ونكص الرفاق على أعقابهم واعتكف كبير السحرة "البيض " في عدن ولكن هيهات.. وكلنا نعرف باقي القصة والغزو اليمني عام 1994م وممارساته الإجرامية حتى اليوم !!

والتقطت الإمارات المتصالحة في الخليج عام 1970م تجربة اتحاد الجنوب العربي بالتعاون مع بريطانيا وأعلنت " الإمارات العربية المتحدة" ونجحت نجاحا باهرا لتحمل أبوظبي و الشيخ زايد أكثر من 75% من ميزانية الاتحاد مع بقاء الحكم المحلي لكل إمارة وفشلنا نحن !!

فشلنا بسب خلافاتنا وأحقادنا وثاراتنا والسخرية من كبارنا وعلمائنا وتاريخنا وهذا سر ضعفنا وقوة عدونا .

ولعل الأستاذ سعيد النخعي محق فيما قاله عن المجلس الانتقالي :

"لم ينجح المجلس في تسجيل أي اختراق سياسي خارج حاضنته الشعبية المحصورة في بضع مديريات نائية ،" وفشل المجلس في التصالح مع مكوناته ومجتمعه وتوجيه سلاحه إلى صدور الجنوبيين وكأننا نعيد أحداث يناير عام 1986م ونقتل بعضنا البعض وعدونا شمالا يتربص بنا

وفي هذه الحالة على أبناء الجنوب محاولة إعادة قراءة التاريخ من جديد وفهم الواقع والأخذ بعين الاعتبار لمواقفهم وتقييم كلما مر بهم وما عانوه في المراحل السابقة ، والخروج من مأزق "الوصاية والتبعية التي يسمونها الوحدة " وبدون مراعاة للعدل والمساواة ونبذ المناطقية واحترام صوت المواطن الجنوبي وإجراء انتخابات حرة في كل محافظة لاختيار ممثليهم بكل حرية والابتعاد عن شيطنة أو تخوين بعضنا البعض ومحاولة استعادة ممن لا زال يغرد خارج السرب الجنوبي ولا زال رهينة لباب اليمن والخروج من دائرة التشرذم والانقسام مع أعادة الاعتبار لرؤساء الأحزاب السياسية والسلاطين السابقين واستيعابهم في وطنهم وتأسيس "مجلس شيوخ " منهم كمستشارين في كل محافظة يكون له رأيه في التصويت والاختيار إلى جانب مجلس النواب المنتخب من كافة أطياف الشعب وكرديف له وهذا النظام يضع تفاصيله رجال القانون من أبناء الجنوب في دستور يرجع إلى أحكامه الجميع ، والله من وراء القصد .

د. علوي عمر بن فريد