الحبيب الأسود يكتب:

تونس.. الإفراج عن القروي ضرورة

لم يعد أمام القضاء التونسي إلا المساعدة على تجاوز أي نذر لإفشال الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية والحؤول دون التشكيك فيها، وذلك باتخاذ قرار الإفراج عن المرشح نبيل القروي خلال جلسة يوم غد الأربعاء، وإعطائه المجال لقيادة حملته الدعائية من باب تكافؤ الفرص الذي ينص عليه الدستور ويضمنه القانون الانتخابي.

الهيئة العليا المستقلة للانتخابات حذرت من أن استمرار احتجاز القروي قد يؤدي إلى إلغاء نتائج الدور الثاني، وهو ذات ما نبهت إليه المنظمات الأربع التي كانت قادت الحوار الوطني في 2013 وفازت بجائزة نوبل للسلام للعام 2015: الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة وعمادة المحامين والرابطة التونسية لحقوق الإنسان، بإشارتها إلى وجود أزمة حقيقية يبدو أن أحزابا بعينها وعلى رأسها حركة النهضة لا تريد أن تنتبه إليها، بل ولا تريد لها أن تُحل قبل الانتخابات التشريعية.

راشد الغنوشي أكد ذلك، وأعرب عن مخاوفه من تقدم “قلب تونس” الذي أسسه القروي قبل أربعة أشهر، داعيا الناخبين إلى التصويت لحزبه حتى يتصدر البرلمان ويشكل الحكومة، وطبعا ليكون هو ذاته رئيسا لمجلس نواب الشعب، فحركة النهضة التي فشلت في الرئاسيات تطمح إلى تعويض خسارتها باكتساح التشريعيات وهو ما يبدو بعيد المنال، لأنها تبقى تنظيما عقائديا لا يمتلك إلا أصوات منتسبيه لأسباب مصلحية أو جهوية، بينما لا تعني شيئا يذكر لأغلب التونسيين.

أما حزب قلب تونس فهو يتصدر نوايا التصويت لسبب واحد وهو أن زعيمه نبيل القروي عرف كيف يكتسب قاعدة انتخابية مهمة بعد ثلاث سنوات من النشاط الخيري والإعلامي والاقتراب من الطبقات المهمشة والمحرومة بالمساعدات المالية والغذائية والطبية.

التونسيون عاشوا لسنوات محرومين من الخطاب القريب من مشاغل الطبقات الفقيرة، ومن حالة تجاهل الأميين الذين يمثلون أكثر من 13 بالمئة من قائمة الناخبين، ومن غياب الرعاية الحكومية، وحتى الجمعيات التي انتشرت في البلاد بعد عام 2011، ومنها جمعيات الإخوان، تركز اهتماماتها وفق الانتماءات العقائدية والحزبية للمستفيدين منها. لذلك كان القروي ذكيا في تواصله مع نسبة مهمة من التونسيين الذي تعلقوا به وبخطابه وتصرفاته قبل وعوده، قد يكون استغل العمل الخيري أو قناته التلفزيونية، ولكن هذا الأمر متاح في أغلب المجتمعات الديمقراطية، ولا يوجد ما يمنع وسيلة إعلام خاصة من أن تنخرط في خدمة مشروع مرشح بعينه لأي منصب قيادي يطمح إليه.

حزب قلب تونس فهو يتصدر نوايا التصويت لسبب واحد وهو أن زعيمه نبيل القروي عرف كيف يكتسب قاعدة انتخابية مهمة

في 23 أغسطس الماضي، تم الزج بالقروي في السجن احتياطيا على ذمة قضية مرفوعة ضده منذ عام 2016 من قبل إحدى منظمات المجتمع المدني، وهو الذي سبق أن صدرت ضده قرارات بتجميد أمواله ومنعه من السفر إلى خارج البلاد، أغلب المتابعين اتهموا جهات نافذة بالوقوف وراء سجن القروي، هناك من حملوا رئيس الحكومة المسؤولية، وهناك من يرون أن المستفيد الأول هو حركة النهضة التي أزعجتها شعبية حزب قلب تونس وزعيمه.

من وراء القضبان ودون حملة انتخابية، فاز القروي بالمركز الثاني في الدور الأول للرئاسيات بعد المستقل قيس سعيد، وقبل مرشح النهضة وكل من وزير الدفاع ورئيس الحكومة، وانتقل إلى الدور الثاني ليراهن على الوصول إلى سدة الرئاسة في قصر قرطاج، ورغم ذلك لا يزال في السجن في انتظار ما سيقوله القضاء الأربعاء.

مبدئيا وبالنسبة للقروي فإن بقاءه خلف القضبان سيكون أفضل له، فإذا فاز بالرئاسة سيخرج من السجن إلى قصر قرطاج، وإذا لم يفز سيطعن في النتائج وسيكون قادرا على إقرار إلغائها وهو ما تم التنبيه إليه من هيئة الانتخابات ومن المنظمات الوطنية الكبرى ومن أغلب خبراء القانون والمراقبين السياسيين.

من أجل مصلحة تونس وتوفير ضمانات النزاهة والشفافية للانتخابات عبر المساواة وتكافؤ الفرص بين المتنافسين، يصبح من الأفضل الإفراج عن القروي ليقود حملته الانتخابية وليخاطب ناخبيه وأنصاره، بل وليشارك في إحداث التوازن المطلوب خلال الانتخابات التشريعية ليوم الأحد القادم، ففوز حزبه ومهما كانت الاتهامات الموجهة إليه، هو تكريس للتوازنات داخل البرلمان الذي يسعى الإسلاميون وحلفاؤهم الجدد والقدامى للسيطرة عليه.

بالتأكيد أن الإسلاميين لا يتبنون الدعوة إلى الإفراج عن القروي، ولكن الأطراف التي تبنت تلك الدعوة وازنة وكافية لتحديد مسارات المصلحة الوطنية حتى لا تدفع البلاد إلى المجهول الذي لن يكون في مصلحة أي كان، إلا أنصار الفوضى والمتخصصين في ثقافة خلط الأوراق.