هاني مسهور يكتب:

الصين.. من ماو إلى شي جين بينغ

“لا نحقق الأعمال بالتمنيات، إنما بالإرادة تصنع المعجزات” هذ واحد من الأقوال الخالدة لمؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ، ولعل ماو الذي انحنى الرئيس شي جينبينغ ثلاث مرات على ضريحه، في الذكرى السبعين، لم يكن صانعاً للمعجزة الصينية فحسب، بل لفكرة الإيمان بأن الشعوب قادرة على النهوض من كبواتها وفشلها، وأن هذه الشعوب مهما كانت عثراتها، تنجح إن امتلكت إرادة التغيير، كما نجح الشعب الصيني.

في أول أكتوبر 1949، وبعد أن حسم الشيوعيون حرباً أهلية وقعت بعد خروج اليابانيين، بهزيمة القوميين، وأصبح ماو تسي تونغ رئيس الحزب الشيوعي الصيني، وتجمعت جماهير الشعب في ميدان تيان آن من بكين، حيث أقيم احتفال لتأسيس الدولة، أعلن ماو تسي تونغ رئيس الحكومة الشعبية المركزية، تأسيس جمهورية الصين الشعبية، التي سماها “جمهورية العمال والفلاحين”، لكنه مع ذلك لم يطفئ لهيب ثورته وهو الذي يؤمن بأن “السلطة تنبع من فوهة البندقية”.

فبعد تأسيسه جمهورية شيوعية، ألقى ماو بأكثر من مليون متطوع صيني، في أتون الحرب الأهلية الكورية، بداية خمسينيات القرن العشرين، فكسب نصف كوريا (كوريا الشمالية الشيوعية) حليفاً له لكنه خسر تايوان.

بداية تأسيس جمهورية الصين الشعبية، عملت الحكومة الصينية على إنجاز الإصلاح الزراعي بالمناطق التي يقطنها أكثر من90% من المزارعين. وحصل ملايين الفلاحين على مساحات واسعة من الأراضي، فكانت هذه الخطة الاقتصادية الأولى للصين الحديثة.

خاض ماو ببلده الزراعي غمار ما سماها (القفزة الكبرى إلى الأمام) من 1958 التي كانت تهدف إلى تحويل الصين من دولة زراعية مستهلكة إلى دولة صناعية، لكنه أثناء ذلك هوى باقتصاد بلاده إلى الحضيض، وأودى بحياة 30 مليون شخص.

لكن في 1966كانت الصين قد أنجزت البناء الاشتراكي، فازدادت الأصول الثابتة للصناعة ثلاث مرات، كما ازدادت المنتجات الصناعية الرئيسية مرات عدة، وجرى البناء الأساسي الزراعي والإصلاح الفني على نطاق واسع، لتطلق الصين الثورة الثقافية الكبرى، وتدخل مرحلة جديدة.

عام 1979 بدأت مرحلة إصلاح النظام الاقتصادي والسياسي، وتم بالتدريج تحديد طريق بناء تحديثات اشتراكية ذات خصائص صينية، منذ تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح على العالم الخارجي، وطرأت تغيرات عميقة على ملامح الصين. وأخذ اقتصادها يتطور تطوراً سريعاً، لكن هذا التطور الملموس واجه تحدياً طارئاً بارتفاع معدلات النمو السكاني، التي فاقت الحد العالمي بأشواط كبيرة وغير متوقعة، لذلك بدأت الحكومة منتصف السبعينات التخلى تدريجياً عن ثوبها الاشتراكي الشيوعي، وبدأت الدخول في الاقتصاد العالمي ولكن على طريقتها.

قدمت الصين للعالم تجربة فريدة، مطلع ثمانينيات القرن العشرين، بإنشاء المدن الصناعية الحرة والمعفية من الضرائب، مما استقطب المئات من الشركات الاستثمارية الأوروبية والأميركية، التي وجدت في تدني أسعار اليد العاملة الصينية، فرصة لتحقيق عوائد مالية، لكنها بعد ذلك بدأت إطلاق اقتصاد موازٍ، بتشجيع العمال الصينيين على اكتساب المهارات الفنية والتقنية، مما انعكس على دخل الفرد الصيني، مع نجاح المنتجات الصينية في المنافسة العالمية، بتعزيز اقتصادي غير مألوف.

2008 بدأت الصين مرحلة أخرى، مع تولي شي جين بينغ رئاسة للجهورية، الذي قدم رؤية متجددة للاقتصاد الصيني، بداية من المشاريع القومية الضخمة في البنية التحتية، سواء للمدن التقليدية أو إنشاء المدن الجديدة كغوانزو التي كانت مدينة صغيرة، وتم ضخ مليارات الدولارات لتحويلها إلى مركز من أهم المراكز العالمية الاقتصادية.

سبعون عاماً من ماو إلى شي بينغ وجملتان تختصران أول المشوار والعام السبعين، فالأول قال: “لا نحقق الأعمال بالتمنيات، إنما بالإرادة تصنع المعجزات” والأخير قال: “لا قوة يمكنها هز وضعنا أو منع تقدمنا”، هذه المسيرة الصينية التي كسرت تحديات التضخم السكاني، وتعاملت مع تحديات ما بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الأهلية، ليست ملهمة فقط، بل خارطة طريق لشعوب وأمم، لم تغادر فشلها رغم تعاقب الأزمنة.

التطوير السياسي لا يأتي إلا من إرادة مؤمنة بالنجاح الاقتصادي، والاستثمار في موارد الأوطان، وتحويلها لمنتجات رابحة بدلاً من إهدارها في حروب وشعارات زائفة، فسلاماً على ماو وشي ينغ.