رشيد الخيُّون يكتب:
عدنان حسين.. مَن سُرَّ ومَن حَزن لرحيله
رحلَ الصحافي الشَّديد الكلمة على الفساد والفاسدين، على الإرهاب والإرهابيين، على الجماعات المسلحة الولائية، رحلَ في يوم كان أشدَ حاجة لقلمه، عبر عموده “شناشيل” في صحيفة “المدى” البغداديَّة، ومقاله الأسبوعي في صحيفة الشَّرق الأوسط.
تمرس في الصَّحافة والسياسة أيضا، فخرج مرغما ليكون في المعارضة، التي كان يأمل فيها، تطبيق شيء مِن شعاراتها، التي كان يدافع عنها عدنان حسين، ويُحبر مقالاته لها، وهو المشرف على الملف العراقي في الشَّرق الأوسط.
غير أن الخيبات تكاثرت، وصار وجها لوجه مع المعارضة وهي في السُّلطة، وإذا بالوجوه غير الوجوه، والضمائر غير الضمائر، ما كان عدنان حسين يحلم بنظام جديد أو عراق جديد، إلا وفاق على خراب قديم وعراق مدمى. ما كان هذا حلمه، وبعد انهيار الحلم عاد مِن جديد يعارض، وهو ببغداد، يتلفت خشية مِن رصاصة قناص، بعد كلِّ مقال ينشره.
قلتُ يا عدنان، أمطمئن أنت لما حولك؟ وهل لديك حماية كافية؟ قال وطنتُ نفسي على القلق، وقرار الهجرة مِن جديد قائما. ثار عليه الإسلاميُّون عندما وصف مفكرهم ومنظرهم إبراهيم الجعفري بالروزخون، ودخلوا معه في مساجلات، والاستغراب لماذا يعتبرون مفردة “روزخون” عيبا وشتيمة، بينما عصرهم هذا هو عصر “الروزخونيَّة” بامتياز.
كان الداء الوحش غرس أنيابه في جسد عدنان حسين، ولم يعط إشارة له حتى تمكن منه، ولم يبق غير انتظار الرَّحيل. كان صدمة ليس لفقد عزيز حسب، إنما لفقد يراع يرد عليهم بالحجة، كان مقاله عبارة عن تفاصيل موثقة، ومِن وثائقهم ومنشوراتهم.
لو كانوا أصحاب حلم وإخلاص لشعبهم ووطنهم، لأحزنهم توقف مقال عدنان حسين، لأنه كان يضع أمامهم عيوبهم، وماذا عليهم فعله، كان ذلك لصالحهم وصالح الوطن، لكنهم كان يقرأون مقالات عدنان حسين وأعمدته بغرور التَّمكن مِن السلطة والثروة، بوهمِ الحماية مِن خارج الحدود، ولم يفهموا أن الكلمة أمضى السلاح المحتمين به.
لقد سرَّ هؤلاء غياب عدنان حسين، وتكفل لهم المرض العصي بإسكاته، بينما يحزن لغيابه مَن كشفوا صدورهم لرصاص القناصين، وسط سكون أو خرس الطبقة المثقفة، المتواطئة على ما يبدو مع سرايا القناصين. قطعا عدنان حسين ليس مِن هذه الفئة، فالحلم كان حلمه، ولم تتعبه المعارضة، التي بدأها من عقود طويلة. نعم، يا عدنان، تركت فراغا، ورحلت مع موكب الذين تراكمت كلماتك في أرواحهم فانفجروا في تظاهرات تشرين غضبا، حتى أرعبوا الفاسدين وحماتهم مِن خارج الحدود. كنت تعلم، وأنت تصارع الموت، مَن يسره موتك ومَن يحزنه!