عبدالواسع الفاتكي يكتب:
في اليمن، يكذبون كما يهتفون!
يهتفون للجمهورية اليمنية، يتغنون بالشرعية، ينظرون للحرية والعدالة والدولة المدنية، يتقمصون رداء الوطنية، تصاب بمس من الإعجاب عند سماعك لخطبهم وبياناتهم وشعاراتهم فتكفر بما سواهم، متأثرا بسطوة حقن التخدير التي حقنت بها في المدرسة أو الكلية أو المسجد أو حتى في أماكن العمل، ستظل غائبا عن الوعى، موهما نفسك أن من يتحدث عن الزهد في الدنيا، ومن يحضر صلاة الفجر في المسجد، ويحرص على قراءة آيات من الذكر الحكيم بين المغرب والعشاء مثلا، لا يمكن أن يكن طالب سلطة أو مال. وهب أنك في لحظة رجوع وعيك تهورت، فسألت أحدهم، ما السر الكامن وراء ثروتكم وصعودكم في هرم السلطة وسلم الإدارة؟! سيجيب أحدهم أصلح نيتك! نيتك سيئة لأنك لست في حلبة الطاعة، حيث ستكن نيتك طاهرة صافية، آخر سيجيب على ذات السؤال، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب أنت في نظرهم لست متقيا لله المشكلة فيك أنت، مرقت عن الجماعة! وشذيت عن الطريق، ونأيت بنفسك جانبا، وتريد من الله أن يجعل لك مخرجا هكذا يريدون القول، التفسير الديني حاضر وبقوة لكل استحواذ على السلطة والمال، لكل تهميش وإقصاء وإبعاد للغير، تأويل للأقدار بطريقة عجيبة وغريبة، إن أصيب أحدهم بسوء قالوا: ابتلاء. وإن أصاب ذلك السوء الأخر قالوا: عقوبة.
انتقادك لخصومهم ومعارضيهم في نظرهم قمة الوطنية، ومنتهى المصداقية، وإن انتقدتهم فأنت بالنسبة لهم خائن وعميل ومدسوس، وتحمل أجندة مشبوهة، رؤاهم هي السليمة، مواقفهم هي الصحيحة أفرادهم لا يخطؤون، وإن أخطؤوا فهم مكرهون، وما يشاع عنهم مكايدات، صدعوا رؤوسنا في الحديث عن الحقوق والعدالة وخدمة المواطن، عندما لم يمتلكوا خيوط اللعبة، وعندما امتلكوها، وسطع نجمهم، ولمع بريقهم، بات التكلم عن الحقوق كالراتب مثلا نوعا من الخيانة أو التحريض، وإقلاق سكينة السلطة وعدم مراعاة ظروفها.
يحافظون على الجماهير المؤيدة لهم، مستخدمين خطاب يدغدغ عواطفها، استفادوا كثيرا من القرب من السلطة ومشاركتهم فيها، فكونوا لهم امتدادا واسعا وحضورا في المجتمع، مرتبطا بشبكة نفوذ ومصالح مترابطة، ناجمة من الاستثمار للأحداث والظروف، ومدعوما بسيطرتهم على مؤسسات حزبية العمق مدنية الظاهر، ناهيك عن امتلاكهم آلة إعلامية ضخمة؛ تبرر لمواقفهم، وتجمل صورتهم لدى الشارع اليمني.
الآخر بالنسبة لهم مشكوك فيه، وطنيته في نظرهم محل نظر، المخالف في الرأي عميل والناقد مصلحي، عندما يمتلكون سلطة القرار، يمارسون الإقصاء للآخر وبشدة، حتى لو كان يتفق معهم في قضايا كثيرة، طالما هو خارج دائرة تنظيمهم وتربيتهم المغلقة على أدبياتهم فقط، وطالما لم يمنح صك الصلاحية والتأهل من مجلس تشخيص مصلحة الحزب، وأما قبولهم بمشاركة الأخرين في السلطة، فيخضع للظروف ولمبدأ جلب المصلحة الحزبية أو درء المفسدة، وليس للمصلحة العامة علاقة بذلك إلا في إطار النكاية والمكايدة مع الآخرين.
يركزون على الولاء للحزب وإهمال الكفاءة والنزاهة، وهذا يجعلهم في مواقف متناقضة، فيدعمون بعض الأشخاص المحسوبين عليهم وفق نظرية المحاصصة، والذين ليسوا بمنأى عن ممارسة الفساد، فإذا ما انتقد هؤلاء هبوا للدفاع عنهم والتبرير، أو الحديث عن فساد الآخرين، كمقايضة هذه بتلك، ينتقصون من الآخرين ويستهجنونهم، ويقللون من جهودهم إلا فيما ندر، إذا كان الأمر فيه نوع من التجميل لهم لإظهارهم بثوب الوسطية والإنصاف، ويحرصون كل الحرص على تضخيم وتعظيم أي دور يقومون به وأنصارهم ولو كان صغيرا.
ستحتفظ الجماهير بإرشيفهم ستأتي مرحلة اختيار الشعب اليمني لمن يحكمه، سيبعثون عسسهم، الذين يجيدون سبك المعاني وصياغة العبارات، والاستشهاد بالحديث والآيات، سيبثونهم بين الجماهير؛ ليواروا سوآتهم لكن ذلك لن يجدي، حتى مراكز القوى التي وجدت بهم وترعرعت برعايتهم لها ستلفظهم، كما لفظت الحاكم السابقين حاشيتهم ومراكز قواهم.