صلاح السقلدي يكتب:
توكل والمتكسبون شمالاً من ثورة الجنوب
أكثر من عقدٍ من الزمن هي الفترة التي احتاجها الإعلام الرسمي والموالي له حتى تخلى عن المصطلحات التي ظل يستخدمها بوجه الثورة بالجنوب مثل مصطلح: (..ما يسمى بالحراك الجنوبي)، من باب التقليل من شأن هذه الثورة... وغيرها من المصطلحات المستفزة مثل: (الحراك القاعدي، والحراك المسلح، الحراك الإيراني..) بُغية التشهير بها والتحريض ضدها بعد أن استنفد هذا الإعلام منذ قبل حرب 94م استخدام ورقة الدين والتحريض والقتل باسمه.
ولا نعلم اليوم كم سيحتاج هذا الإعلام من الوقت حتى يتخلى عن مصطلح: (ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي/ المتمردين/ الانقلابين/ المجلس التابع للإمارات وغيرها وغيرها من المصطلحات).
ومتى سينصاع هذا الإعلام للحقائق والمستجدات على أرض الواقع كما هي، لا كما يريد هو أن يراها، ويغادر أسلوب النعامة.
وحتى توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، والمناهضة لحكم الرئيس السابق صالح، نشرتْ صورة لها وهي بساحة من ساحات عدن في غمرة الحراك الجنوبي – أو بالأصح أعادت نشر منشور مع صورة من صفحة الأخ ياسر حسن، على صفحتها مشفوعاً بتعليقها: (حين كان النضال من أجل قضايا الجنوب مغرم ومغامرة وركوب مخاطر).
في تلميح واضح منها إلى أن النضال اليوم بشأن القضية الجنوبية قد تحول كله من مغرمٍ إلى مغنم وغنائم. ومبينة -بالصورة- الدور الذي قام به بعض الشماليين بمؤازرة الثورة بالجنوب.
لا نجادل أن بعضاً من نشطاء الجنوب قد اتخذوا من الثورة الجنوبية جسر عبور إلى ضفاف المصالح الشخصية للحصول على مناصب ووجاهات، ولكن يظل هؤلاء قلة لا يمكن أن يُــعتد بهم، أو يكونوا دليلاً على فساد وبطلان الثورة بالجنوب، فهي ثورة شعب وليس أفراداً "سقط المتاع"، كما أردت السيدة كرمان أن تقوله بتجـنٍ، كما يقوله ويتجناه معها البعض.
فلو كان هؤلاء المتكسبون دليلاً على فساد الثورة الجنوبية، لكان العدد المهول من نشطاء ثورة التغيير بالشمال الذين هرولوا إلى حضن المصالح أكبر دليل على فساد تلك الثورة وتعثرها.
ولو كان بعض الشماليين قد آزروا الثورة بالجنوب، فقد فعل الجنوبيون ذات الشيء مع ثورة التغيير بنوايا حسنة وسرائر نقية لا تشوبها أطماع ولا كان ذلك من باب الابتزاز للسلطات الحاكمة أو تركيعها لتقبل بقسمة المناصب على اثنين، كما انتهج ذلك بعض الشماليين أفراداً وكيانات تجاه الثورة بالجنوب بجعلها ورقة ابتزاز للظفر بمكاسب ومناصب.
وللأسف هم يسوّقون لمشروعهم السياسي يوماً إثر يوم وكأنه أصبح أمراً واقعاً لا مناص منه، وقضاءً وقدراً يجب على الجميع أن يحمدلوا ويتقبلوه صاغرين.
وحين يفعل الآخرون ذات الشيء تتخبطهم الشياطين والمرَدة، ويصرخون: الأولوية لإسقاط الانقلاب صنعاء.
فلو كانت الأمور تسير وفق شريعة العدل وليس وفق شرعية الريال السعودي لكانت الأولوية لإسقاطكم أولاً، وعلى وجه السرعة.. إسقاط من لا يحترم عهداً ولا يرعى وعداً.
وللتذكير.. الحراك الجنوبي هو ثورة شعبية تعبّـر عن قضية وطنية سياسية حُــرة تأبى ويأبى أصحابها تصغير الأكتاف على عتبات الوالي، أو توسل الصدقات على أبواب الغزاة والنهابين.. ثورة أكبر من أن تحتويها مُغريات سُلطة فاسدة ما تزال تنتهج نفس الأساليب الفاشلة الرتيبة بشراء الذمم واستنساخ الكيانات عند كل استحقاق وفي كل منعطف.
سُــلطة تدلّي بيدها بنادل الدولارات والريالات أمام أعين المنسلخين والمتاجرين بـأوجاع الناس وجوعهم في فنادق العواصم الدسمة، هي فوق أنها سُلطة تجاهر بعدائها للجنوب وقضيته وتثبت مرة تلو الأخرى أنها لا تجيد غير أسلوب الدس والوقيعة منذ عقد ونيف من الزمن فإنها بالوقت عينه تؤكد مجددا فشلها بالشأن الجنوبي وعُــقم أساليبها وأدواتها المتسخة ومع ذلك تكررها بكل بلاهة وسخُــف، ولا يسعنا هنا غير التأسف على من يتساقطون تحت موائدها لالتقاط الفُتات، والدعاء لهم بالشفاء من داء الهوان، ومن سقم المذلة.
أي ثورة محمية بعناية الله، وبإرادة جماهيرها كالثورة الجنوبية وما تحمله من قضية عادلة فلا خوف عليها من "سقط المتاع" هؤلاء، ولا من أموال العرب والعجم.