كرم نعمة يكتب:

إعدام ثور!

استعادت الروائية دوريس ليسنغ، ما يمكن اعتباره درسا إنسانيا مستمرا عن الطبيعة البشرية عندما عادت إلى واقعة حقيقية في ما كان يطلق عليه بعد الحرب العالمية الثانية رودسيا “زمبابوي اليوم”، بعد إقدام مزارع على درجة من الوعي والنجاح والاحترام على إعدام ثور بعد أن قتل الثور بغتة، وعلى نحو يتعذر تفسيره حارسه الصبي الأسود.

عقدت ما يشبه المحكمة للثور آنذاك، مع أن أسرة الصبي حصلت على تعويض، إلا أن مالكه قرر إعدامه رافضا كل الالتماسات، وبالفعل أعدم الثور على يد فرقة لإطلاق النار ودفن.

لا ترى ليسنغ الحكيمة حد التفكير العميق في الطبيعة البشرية، في تلك الاستعادة، أن مالك الثور كان ساذجا أو جاهلا، بقدر صعود الفورات البدائية الفظيعة وارتداد البشر إلى السلوك الهمجي.

من السهل إيجاد معادل همجي معاصر في ما يحدث اليوم بعد أكثر من ستة عقود على واقعة إعدام الثور. وهو ما سمّته دوريس، الحاصلة على جائزة نوبل للآداب، “نحن في زمن من المخيف فيه أن نكون أحياء” عندما نختار أن نحيا في سجون من صنعنا، حيث يصعب أن نفكر في بني البشر كمخلوقات عاقلة. وهي في ذلك الشك ليست وحدها من كانت تشعر بالخيبة المريعة من أوضاع هذا العالم حتى رحيلها، ذلك ما عاد إليه عالم الاجتماع يوفال نوح هراري في تساؤله المثير بعد أن صار الإنسان عدو نفسه، فيما ما إذا كان ينبغي لنا أن نستمر في الحديث عن الإنسان العاقل باعتباره نوعا منفردا، بعد مسيرة ناجحة إلى حد كبير على مدار سبعين ألف عام.

لا يمكن اعتبار النظر إلى اختفاء قوى العقل والرشد والتحضر، مدرسة تشاؤمية قائمة ومستمرة تتعمد تغييب الأمل، بقدر ماهي حاجة ماسة ودائمة في الحكم على السلوك البشري الذي يتراجع.

بإمكانكم مثلي الإتيان بأمثلة مثيرة تقابل إعدام ثور يقوم بها رجال الدين والسياسيون اليوم، كما يمكن لنا النظر إلى مصير القطعان البشرية الراكضة وراء الخرافة التاريخية، يكفي معركتهم ضد الأموات، بنفس درجة تقديسهم لأموات آخرين، أليست إدانة ثور في محكمة والحكم عليه بالقتل قبل عشرات السنين تشبه أن يشن أقوام اليوم معركة ضد الموتى؟

في مقابل هذه الغرائز البدائية ذات القوة الهائلة التي تكشف بلا جدل أن لدى البشر قدرة رائعة للإيمان بالمتناقضات، تقترح علينا حكمة دوريس، البحث عن القدرة على مراقبة أنفسنا من وجهات نظر أخرى بوجوب أن يحكم العقل الأمور الإنسانية، أو وفق المرويات البوذية التي توصلت إلى أن المعاناة وشقاء الإنسان ليست ناتجة عن سوء حظ أو ظلم اجتماعي أو بسبب نزوات إلهية، بدلا من ذلك، تنتج المعاناة بسبب أنماط سلوك عقل المرء. فليس مسعى للإحباط ولا للتشاؤم عندما تكتب ليسنغ وبعدها نحن عن الجانب المظلم في حياة البشرية.