الجنوب والخليج...هل جزاء المعروف عشرة كفوف؟
قال بعض الأصدقاء: (( ألا ترى أنه بالآونة الأخيرة قد ظهرت هناك كتابات خليجية تتبنى حملة شرسة على المطالب الجنوبية الداعية لاستعادة الدولة الجنوبية أكثر شراسة حتى من الكتابات اليمنية نفسها؟,وهل تخلتْ السعودية ودول التحالف عن دعمها الذي كان بداية هذه الحرب تجاه الجنوب بشأن موضوع استعادة دولته؟ ولماذا هذا الخطاب الخليجي بهذا الوقت بالذات؟,وهل ينطبق علينا المثل القائل: جزاء المعروف عشرة كفُـوف ؟)). أنتهى.
كان رديّ على النحو الآتي:
أولاً: لا أرى أي تخلي خليجي عن دعم استقلال الجنوب والسبب بسيط جداً وهو أن هذه الدول منذ بداية الحرب (عاصفة الخليج) في مارس آذار 2015م وحتى اللحظة لم تعلن ولو بربع كلمة أنها شنت الحرب لدعم الجنوب واستعادة دولته.
أنا هنا أتحدث عن الخطاب الرسمي لهذه الدول ولا أتحدث عن بعض كتابها الذين يطلقون بين الحين والآخر من بداية هذه الحرب وعود وتمنيات لا تتجاوز تغرديات صفحات تويتر وفيسبوك, سرعان ما يلتقطها بسذاجة بعض الجنوبيون ويحتفون بها وإعادة نشرها عدة مرات.
هي وعود أشبه ما تكون بسراب بقيعة, ووهم تذروه رياح (العاصفة) ولا أثر له ولا وجود بالحسابات والأجندة السياسية السعودية والخليجية الأخرى لا من فوق الطاولة ولا من تحتها, ولا تعدو أن تكون أكثر من استدرار لموقف الجنوبيين العسكري والسياسي بهذه الحرب حتى يتحقق غرض التحالف بالجنوب, وهذا بالفعل ما تم, وما نراه اليوم وما سنراه في قادم الأيام من ارتداد لتلك الوعود (التغريدات) وقلبها ظهر المجن بصورة صادمة- أو بالأصح الصادمة لمن أبتلع هذا الطُـــعم.
ثانياً: أن الخطاب الرسمي الخليجي (دول التحالف) كان أكثر وضوحا مع الجنوبيين بمسألة استعادة دولتهم وتجاه قضيتهم. فيكفي أن نـذّكر الجميع أن قرار مجلس الأمن الدولي 2216 الذي تقدمت به دول الخليج غداة انطلاق هذه الحرب قد أكد بما لا يدع مجال لتسويق الوهم والحذلقة- على مسألة بقاء الوحدة اليمنية كما هي , بل وتوعد أي جهة داخلية أو خارجية تحاول النيل منها ,هذا القرار الذي نسف قراريّ مجلس الأمن رقم 924 و931 بالشأن اليمني والصادران أبّان حرب 94م والذين كانا يمثلان مدخلاً قانونيا الى حد ما للجنوبيين أمام المجتمع الدولي .ضف الى ذلك أن المبادرة الخليجية أكدت بقوى على الوحدة اليمنية على شاكلته هذا ,وكذلك مخرجات حوار صنعاء المدعوم اليوم سعودياً فعل الشيء نفسه.
هذا الموقف لدول الخليج إزاء الجنوب والوحدة اليمنية ليس منطلقا من حرصها على وحدة اليمن, ولا أيضا من تنكرها للدور الجنوبي بهذه الحرب كما يعتقد البعض. بل هو موقفا منطلقا من المصلحة الخليج أولا, والمصلحة الخليجية ثانيا ,والمصلحة الخليجية ثالثاً. فالسياسي لا يكره.
أما لماذا هذا الخطاب الخليجي تجاه اليوم بهذا الوقت. ففي تقديري ان هذه الخطاب هو ذات منذ بداية هذه الحرب وإن كان بلهجة أقل حدة فرضتها الحاجة حينها ,وتفرضها الحاجة اليوم برفع حدتها. فالحاجة الخليجية للجنوب اليوم قد تقلصت أو أوشكت على الأقل عسكرياً, وبات من المصلحة الخليجية هو مخاطبة تخوفات القوى الشمالية وبالذات الحليفة معه بهذه الحرب عن مصير الوحدة اليمنية وانفصال الجنوب وريبة هذه القوى من الموقف السعودي خصوصاً مع الخطوات التي جرت بعدن وحضرموت, (في عدن مليونية 4مايو وبيان توكيل اللواء عيدروس الزبيدي بتشكيل قيادة جنوبية), و(ما سبق ذلك في حضرموت من أعلان حضرموت إقليم بحدود حضرموت التاريخية بعيدا عن فكرة الأقاليم الستة), فضلاً عن التأييد الحضرمي الأخير لبيان عدن .كل هذا دعا غُـرف صنع القرار الخليجي أن يصوب رماحه جنوباً.
وللتدليل على ذلك أي على ان الخطاب الخلجي يمثل المصلحة الخليجية لا غير تعالوا نقرأ آخر مقالة كتبها كاتب خليجي كبير, د. (د. ظافر العجمي) قبل يومين بعدد من الصحف الخليجية والعربية بعنوان: (هل في انفصال الجنوب مصلحة خليجية). يقول بأحد فقراتها: أن الانفصال لن يتم على النهج التشيكي والسلوفاكي 1992، وتسود العقلانية، حيث أدخل الطرفان في المفكرة السياسية مصطلح «الطلاق السياسي المخملي»، فالحرب في الحالة اليمنية محتمة للخلافات حول تقسيم الممتلكات الاتحادية والحدود، والديون، بتبعات مرهقة لدول الخليج. مما يؤيد بقاء الوحدة كمصلحة يمنية -خليجية لوقف التمدد الإيراني في حال الانكفاء، وترك الشمال يواجه مصيره. كما أن الانفصال يعني حركة تنمية جنوبية بعضها على النفط بجهود لا تكابدها إلا الشركات الصينية والروسية، مما يعني جيرة غير مريحة، ليس لمسقط فحسب، بل للخليج كله..))أنتهى.
لا حظوا كيف تقدمت المصلحة الاقتصادية والأمنية الخليجية على كل شيء, وعلتْ فوق مصالح الآخرين بمن فيهم بالطبع الجنوب الذي ما زال على علاقة حب من طرف واحد مع دول التحالف ,دون أن تكترث هذه المصالح لخزعبلة( الجميل ورد الجميل) ولا إلى حجم التضحيات البشرية الجنوبية بهذه الحرب من أجل (تبييض وجه التحالف) كما يتحفنا به بعض بلداء السياسة. فالمصلحة الخليجية هنا لم تكتف بأن يكون الجنوب حائط صد لبلدانها بوجه ما تعتقد انه خطرا ايرانياً, بل حتى الثروات الجنوبية على قلتها نرى العين الخليجية جاحظة عليها وبقوة, هذا علاوة على الموقع الجغرافي , وبالذات موقع حضرموت ليكون منفذا خليجياً على بحر العرب.!
وعلى ذات السياق تعالوا نرى كاتب خليجي سعودي آخر (عبدالرحمن الراشد) وهو من المقربين جداً من مركز صنع القرار السعودي, وبل ويعتقد انه قناة تسريب سعودية رئيسية, يتحدث بصورة تهكُّم شديدة بوجه الجنوبيين بأحدث مقالة له نشرت قبل يومين بعنوان: ( انفصال الجنوب عن اليمن) يقول بأحد فقراته: ((فريقان سياسيان يتشابهان في اقتناص الفرص في الأزمة اليمنية، الجماعات الإخوانية والانفصاليون في الجنوب. كلاهما لا يحارب بنفسه، يعتمد على غيره، حليفان رغم الخصومة والتراشق الإعلامي. الإخوان المسلمون يرون أن انفصال الجنوب مقبول، يمنحهم مساحة أفضل للهيمنة على المسرح السياسي في الشمال، على اعتبار أن الانقلابيين منهكان من الحرب، الحوثيين وحزب الرئيس السابق علي عبد الله صالح)).أنتهى.
فالكاتب هنا لم يتنكر فقط للدور الجنوبي بدعم التحالف بل ازدرى الجنوبيين بهذه الحرب الى أبعد حد, واعتبرهم مجموعة انتهازية تحاول انتهاز( اقتناص) الفرصة بهذه الحرب. بل ووضعهم في مربع واحد مع الإخوان المسلمين في الهدف والوسيلة. وللتذكير نقول أن الاخوان المسلمين الذين يتقنصون الفرصة بهذه الحرب هم موجودون بالرياض بكل قياداتهم وقناصيهم.
ضف الى ذلك ازدراء آخر جَنـَحَ له صاحب المقالة عبدالرحمن الراشد تجاه الجنوبيين أو الانفصاليون كما ينعتهم, بقوله انهم مثلهم مثل الاخوان المسلمون لا يحاربون بأنفسهم ويعتمدون على الغير. متناسيا عمدا أن الجنوبيين يحاربون نيابة عن الغير بالحدود السعودية الجنوبية, ولا أحد يحارب عنهم على الأرض.!
بل وتبلغ الطرافة وخفة التعاطي مع المطالب الجنوبية مبلغها عند الراشد حين يقول:
((.. يستطيع الانفصاليون الجنوبيون الانفصال فقط في ظروف ملائمة، ليس في غياب الدولة بسبب الحرب، كما هو الحال اليوم. عندما تستقر الأوضاع، وتكون هناك حكومة دائمة، فالحالية مؤقتة، أو برلمان شرعي منتخب، عندها يمكن الانفصال شرعياً إذا وافق اليمنيون من الجانبين عليه. هذا ما جرى في السودان حيث إن حكومة البشير قبلت بانفصال الجنوب، وبرعاية دولية.)). أنتهى.
ثمة مقولة تقول : (لا تلم الناس إن هم خذلوك, بل لُمّ نفسك فربما قد توقعت منهم اكثر مما ينبغي), وعطفا على هذا القول فأن كنا ملومون أحد بهذا الشان فاللوم يقع على الجنوبيين بدرجة رئيسة, فهم من استرخاص انفسهم وتضحياتهم وقضيتهم عند الآخرين والبقاء الى مالا نهاية بدائرة الشعور بالدنونية حيال الخلجي وأمواله, مما أفقدهم فرصة تاريخية لينتصروا لقضيتهم.
وإن كان ثمة اللوم يقع على الأقلام الخليجية فهو لن يكون على مواقفهم السياسية وتقديم مصلحة بلدانهم على مصالح الآخرين ولو على طريقة الفهلوة والتذاكي, ولكن اللوم يكون بجزئية ازدرائهم للجنوبيين ووصفهم لهم بنعوت مسيئة وجارحة.
وخــــزة : (العقل الخائف لا يفكّــر)