نورا المطيري تكتب:

المنبوذ

لم يتحمل أردوغان المعارك النفسية التي خاضها في الآونة الأخيرة، تنهد وهو يفكر، كيف يسترد هيبته أمام شعبه ونظرائه الرؤساء في العالم، بعد أن أذله ترمب مرات عديدة، باغتته الكوابيس عشرات المرات، سمع ترمب في المنام وهو يردد بصوت جهوري: «لا تكن أحمقَ»، فهبّ في الصباح وأمر بدكّ الأكراد بالمدافع والصواريخ نقمة عليهم، حاول أن ينسى وقع تلك الكلمات في أذنه، فلم يفلح. دخل في حالة اكتئاب شديدة، وقرر الثأر، وفكر برفض استقبال الوفد الأمريكي برئاسة مايك بنس، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة خوفاً من ترمب، فاستقبلهم وحالة من التوتر تعصف بذلك اللقاء.
جاء وزير دفاعه المدعو خلوصي، تردد وهو يقول: «دفاعات بريطانيا رفضت تأييدنا لمعركة شمال سوريا وشراء المنظومات الروسية، حاولت إقناعهم بالانضمام لحلفنا ومباركة معركة نبع السلام، لكن الإدارة البريطانية حملتني رسالة تقول: «يجب إنهاء تلك المعركة فوراً، لأنها تقوض التقدم الذي أُحرز ضد داعش»، أما اليوم فقد أعلنوا انضمامهم إلى جانب فرنسا وألمانيا، بتعليق صادرات الأسلحة إلينا بسبب عملية نبع السلام».
لم يجد أردوغان طريقة يحفظ بها ماء وجهه، فقرر التمرد وإلغاء زيارته لواشنطن، بغية رد الاعتبار، فعارضه مستشاره مزور الشهادات المعروف ياسين أكتاي، لكنهما وقعا في المصيدة، حين طالب نواب في الكونغرس الأمريكي ترمب بعدم الترحيب به، كون حلفاء روسيا ضيوفاً ثقلاء غير مرغوب بهم في أمريكا، توجس أردوغان من ردود أفعال أمريكا وأوروبا، فأشار أكتاي بإرسال فريق للتفاوض مع مجلس الشيوخ لوأد قرار العقوبات، لكن الفريق فشل، فصبّ جام غضبه وجنونه على أكتاي.
قال لأكتاي وهو يتوعد ويهدد: كل ما يحدث بسببك، أدخلتنا حقل الألغام، وليس لديك طريقة لإخراجنا أفندم، أصبحتُ في نظر العالم أحمقَ بسببك، ولا أستطيع إقالتك، عندها سيعرف الناس أنك صاحب الخطط والقرارات المجنونة، ماذا فعلت بي أفندم؟
رد أكتاي وهو يرتجف خوفاً من حركات أردوغان: «كانت فكرتي أن تكون سليمان القانوني الجديد، للقرن الواحد والعشرين، وأن تجيد اللعب مع الكبار، لكنك أيضاً أسرفت في اتخاذ قرارات كثيرة، أتذكر حين طلبت منك أن لا تلعب بورقة اللاجئين، لكنك أصررت، وها أنت عالق بين حانة ومانة، كما يقول العرب».
ظلّت كلمة العرب تراوح في ذهن أردوغان وهو يغادر إلى واشنطن، فوصلها مشوشاً، كان الحضور باهتاً، وبدت وكأنها زيارة تميم الصغير، السنة الماضية لواشنطن، حين تم استقباله في موقف سيارات، نظر إلى شاويش أوغلو نظرة غضب وملامة، وكعادته، حمله كل المسؤولية، فحاول أوغلو التملص، بالسلام على كبير المستقبلين، مندوب سكرتير مكتب الخارجية الأمريكية.
وصل أردوغان الفندق في واشنطن، تجمهر الناس، من جنسيات مختلفة يطالبون بطرده من أمريكا، دخل من الباب الخلفي وقفز إلى غرفته، طلب الاطلاع على ما تقوله الصحف الأمريكية، جن جنونه، الجميع يراه مراوغاً مبتزاً إرهابياً أحمقَ، الإعلام الأمريكي يجمع أن أردوغان مجرد زعيم مافيا مضطرب نفسيا..!
بعد عبث ترمب به وتجاهله ساعات طويلة، وقف أردوغان المنبوذ ليجيب عن سؤال ترمب الأول، المتوقع، حول صفقة إس 400 مع روسيا، فسقطت كل خططه بالدفاع، وراح يستجدي هامساً: «أعطني فرصة أخيرة أتفاوض مع روسيا، وخلال ذلك، أرجوك أرجوك بأن تعيد النظر بإعادتنا إلى برنامج طائرات «إف 35»، ما رأيك؟».
ضحك ترمب ضحكة مجلجلة أخجلت المنبوذ، نظر الجميع في القاعة حيث أمره ترمب بالجلوس، قال له وهو يجلس: «سنرى»، وأضاف بصوت مرتفع قليلا ليسمعه الصحفيون: «ولكن هذا يتوقف على سلوكك، فأنا لن أواجه الشعب الأمريكي ومجلس النواب والعالم من دون ضمانات حقيقية، فقد جربناك مسبقاً وأثبت أنك مراوغ مبتز كما وصفتك ميركل».
مواقف كثيرة محرجة وقعت للمنبوذ خلال زيارته لأمريكا، يصعب حصرها، ولكنه ذهب وعاد، خالي الوفاض، بل ازداد سخط العالم عليه، وفكر كثيراً بأنه حان وقت الاعتزال، لكن حين وصل أنقرة، عادت تراوده الحالة المرضية النفسية ذاتها، فكبر العفريت في داخله، وأقنعه بنسيان الذل الذي تعرض له، وقرر مواصلة الجنون.