مصطفى منيغ يكتب:
كارمين بين التقدُّميين المُتقدِّمين
السعادة اكتفاء ذاتي لروح داخل جسد غير دائم ، يُعَبَّرُ عليها بأحاسيس وإن كان العقل أثناءها كاستثناء شارد هائم ، فقط الفؤاد عن لهفة عفوية مضطرب غير مستقر ولكن مع الحاصل المؤقت متناغم ، وصاحبه نائم ، غَيَّبَتْهُ الراحة عن صداع الواقع إن كان داخله بما شاء واختار غير مظلوم أو ظالم ، السعادة حالة صعبة المنال تسبح بعيداً عن الرغبة في دلال خيال يتحوَّل لشعور قائم ، متى توفَّرت الشروط بشكل تابت غير عائم، رِضا الضمير وقناعة الخاطر وتلقائية الحضور أو الانصراف حسب طول أو قصر ما يُشَبَّهُ بالنعيم النَّاعم.
كلما تمعَّنْتُ في مُحيَّا كارمين والكَرَى أغلق جفنيها تَمَثَّل لي جمال المرأة الإسبانية المنعكس فيه جمال اسبانيا بروعة ما فيها ، طبيعياً كان أو من صنع إنسان، قنطرة على نهر، أو نافورة وسط ساحة قرية، أو مواد ملفوفة برقَّةِ عِنايَةٍ تحترمُ من يشاهدها، أو كلمة ترحِّب بالغريب تحسِّسُه أنه وسط إنسانية ترعاه حتى يصل هدفه ، فأفاجأُ بالسعادة تغمرني طيلة تمعُّني ذاك لدقائق أو ساعات تدغدغ الحب الصادق الطاهر ليوشوش في العقل بعلامة استفهام إن كان قبلي قادر عل فراق هذه النعمة الممدودة بجانبي ؟؟؟.
بل هل له أي بديل يسمح بعدم التأثر البليغ لحظة نفس الفراق ؟؟؟، طبعاً سيدُلُّني على مَخرجٍٍ مُشرِّفٍ يصون العهد ولو انقطع التواصل لمرحلة أي لقاء بعدها لا زال في طي الغيب لاستحالة استقراء المستقبل . السعادة سراب تتحول إن اقتصرت عن توقيت لا طائل منه ليصبح المُتعرض لها قطعة فِلِّين تَطْفُو على لُجَيْنِ يَمٍّ تتمايل به مُوَيِّجات محدودة التيار ضعيفة التحمُّل يوقِفها الاحتمال الجائز أخذه بعين الاعتبار عن أداء أي مهمة سوى ترك المعني يغرق إن فقد براعة العوم انقاداً لذاته .
لا تناقض لديَّ إن رفعتُ كارمين لمرتبة تستحقها اليوم أكثر من البارحة،وبحثتُ عن نفسي في عمق وجدانها لأتيقن إن كنتُ بعيداً عنها استطيع مواجهة الآتي من عمري ،وإن تلَقََّتْني السيدة (التي وصية والدتها لا زالت طرية لهجتها الصارمة في أذني) بذراعيها لتلج بي مغامرة تنقلني لعالم لستُ مؤهلاً للاستعانة به كي أنسى كارمين التي وهبتني كل شيء دون أن تطلب مني أي شيء ، وهذا أمر التفكير في جزئياته يؤرقني ، لذا خرجتُ من الغرفة لانفرد بشجرة برتقال اجلس تحتها متأملاً ما قد أراه في الغد يريح أعصابي من هواجس غلبتني رغم تمالكٍ أُتْقِنُِ عوامل إبقائه صامداُ معي لغاية الانفلات من سيطرة تتنافى وعشقي للحرية مهما أدَّيتُ ثمنها غالياُ .
وأنا في اتجاه ما اربد الوصول إليه كحيز مقصود حتى رأيتها جالسة علي حافة المسبح يلاعب ماؤه الصافي قدميها المغموستين فيه عن استرخاء صاحبتيهما بشكل مقلق، وما أن رأتني حتى استفاقت مخلِّصة ذاتها من سقوط حتمي كجسد مُجمَّد يَرَى ويسمَع ولا يستطيع الحركة ، إستفسرتها فأجابتني أنني السبب، تركتُها من أجل خاطر كارمين بعدما عَوَّدتُها ألاَّ تفارقني حتى تلقاني ، هنا انفجرتُ ضاحكاً وحتى لا تترجم ضحكاتي بمفهوم خاطئ أخبرتها : " حينما وعيت كطفل ، وجدت أبي وعلى ذمته ثلاثة نساء والرابعة طلقها ليفكر في تعويضها بآخري ، كان رجلا مِزواجاً ، وأنتِ تحدثينني عن كارمين تذكرته فضحكت" .
ربما وصل الصَّدى أذني كارمين فأقبلت تستطلع ما جرى ، دون أن ينطق لسانها بكلمة لمحتُ شيئاً غريباً توهمتُه شبحاً ، فطلبت من كرمين التي أحسَّت بتغَيُُّرِ ملامح وجهي، بأخذ السيدة للغرفة لغاية عودتي لهما سالماً ، فنفدت المطلوب دون نقاش ، وما أن اختفتا حتى شاهدت الخادمة مرسومة على فمها ابتسامة غير طبيعية ،تجلسني مقابلاً لها لتحدثني : "غداً سأرحل وخطيبي السائق لقضاء شهر عسل طويل أنسَى خلاله عناء أسوَأ مرحلة في حياتي ، لا أريد أن أُقلقَ راحتك أيها السيد الغالي والرجل الطيب الذي أحبَبتُه باحترام من كل قلبي ، والذي بإشارة منه كنتُ مُستَعِّدة أن أبادله ما يريد، لكن انحياز مشاعره لكارمين أنسته حرية التمتع الزائدة عن اختياره ذاك وأيضا بعد المسؤولية التي وجدَ نفسه مُطوقاً بها إثر شبكة السيدة التي اصطادته قي لحظة اضطرار لتَقَبًّلِ طَرْحٍ اعتَقدَ أنه الحل ولو مؤقتاً ، على العموم أتمنى لك سيدي الغالي كل السعادة والهناء والنجاح ، طبعاً سيكون لي معك لقاء حالما أعود لبرشلونة ، لأنك حتماُ ستحتاج لمن يساعدك على اجتياز محنة قد تعترض طريقكَ ، لأنني عشتُ طوال عمري مع السيدة فعلمتُ علم اليقين كيف تُنهي أمورها (يتبع) .