علي ناصر محمد يكتب:
عدنان والزمن الجميل
خسر الوطن العربي بوفاة الأستاذ عدنان الباجة جي، رجلاً حكيماً وسياسياً بارزاً ودبلوماسياً ناجحاً رفع سمعة العراق والأمة العربية في المحافل الإقليمية والدولية، ووقف إلى جانب حركات التحرر وإلى جانب الشعوب في تقرير مصيرها، ومنها عدن وجنوب اليمن.
فقد كان عضواً في لجنة تصفية الاستعمار 1963م، وعاصر الوزير عدن في الفترة الذهبية التي عاشتها حركات التحرر في المنطقة العربية والعالم في عهد ومجد النهوض القومي بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر الذي كان يطالب بتصفية الاستعمار وقواعده ومحاربة الأحلاف ومنها حلف بغداد.
وبعد سقوط هذا الحلف أصبح الباجة جي مندوباً للعراق في الأمم المتحدة، وعين بعد ذلك وزيراً للخارجية في عهد عبد السلام عارف، وهو امتداد لأسرة عريقة، فقد كان والده مزاحم الباجة جي رئيساً للوزراء العراقي في عام 1948م.
في هذا الزمن الجميل كنا شباباً نناضل من أجل تحرير الجنوب من الاحتلال البريطاني، وكنا نسمع عن عدنان الباجة جي ودوره الوطني والقومي والأممي ولقاءاته مع قادة الثورة في الجنوب في كل من مصر وبغداد وصنعاء بعد أن تعذر على لجنة تصفية الاستعمار الدخول إلى عدن.
ومن أجل ذلك فقد نظمنا التظاهرات في الجنوب، وأتذكر أنه في ولاية دثينة بمودية سيّرنا تظاهرات للطلاب والمدرسين والمواطنين للمطالبة بدخول اللجنة إلى عدن، وكان رد الفعل هو اعتقالنا مع عدد من المدرسين والطلبة في المقدمة المناضل حسين الجابري، ويومها زوروا ورقة باسمي موجهة للأستاذ حسين الجابري أطالبه فيها بالتحرك مع الطلبة إلى ميدان مودية، وهذا كان في 3/6/1963م وحكم علينا يومها بالسجن وغرامة مالية، ولم نخرج إلا بعد أن خرج الطلاب والمدرسون والمواطنون إلى الشارع للمطالبة بالإفراج عنا، وأعلنوا الإضراب عن الدراسة.
كان هذا في الماضي، أما بعد ذلك فقد كنا نلتقي به في أبوظبي، بعدما أصبح مستشاراً لدولة الإمارات العربية المتحدة، في منزل معالي المستشار أحمد خليفة السويدي وزير خارجية الإمارات الأسبق، والذي ارتبط اسمه بقيام دولة الإمارات وبقائدها حكيم العرب، الشيخ زايد، وكان يمثل وجه الدولة المشرق والمشرف في الداخل والخارج وفي المحافل المحلية والدولية، كما لعب دوراً مهماً في تطوير العلاقة بين عدن وأبوظبي لاحقاً والتي توجت بزيارة الشيخ زايد لعدن في السبعينيات.
كما كانت لنا لقاءات في منزل الأستاذ أحمد خليفة السويدي بكل من معالي الوزير الأخضر الإبراهيمي وعبد العزيز بوتفليقة وزيري خارجية الجزائر السابقين، حيث كان وزراء الخارجية الأربعة يرتبطون بعلاقات تاريخية وأخوية بحكم نشاطهم الدبلوماسي في المحافل الإقليمية والدولية، وكانوا يحظون بالاحترام والاهتمام على المستويين الإقليمي والدولي لدورهم القومي الكبير في ذلك الزمن الجميل. رحم الله الأستاذ الكبير عدنان الباجة جي.