الحبيب الأسود يكتب:

عندما يقدّم السراج خدمة غير مسبوقة للجيش الليبي

قدّمَ فايز السراج رئيس حكومة الوفاق التي لا تتجاوز مساحة نفوذها 10 بالمئة من الأراضي الليبية، خدمة غير مسبوقة للقيادة العامة للقوات المسلحة الممثلة في المشير خليفة حفتر، بعد توقيعه بصفة انفرادية على اتفاقيتين مثيرتين للجدل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأولى تتعلق بالتعاون الأمني والعسكري بما يعني فتح المجال أمام التدخل التركي المباشر في الشأن الليبي، والثانية مرتبطة بقضية المنطقة الاقتصادية البحرية الخالصة التي تسعى أنقرة إلى تكريسها في شرق البحر المتوسط من خارج منظومة القانون الدولي.

اليوم تجاوز الجيش الليبي دوره في مكافحة الإرهاب والتطرف والميليشيات الخارجة عن القانون ودواعش المال العام، وفي العمل من أجل استعادة سيادة الدولة، ليصبح عنصر استقرار في المنطقة، مقابل سلطة في طرابلس فرضها المجتمع الدولي من خلال اتفاق الصخيرات قبل أربع سنوات بشرعية أممية غير مدعومة بشرعية الشارع والبرلمان والواقع الميداني، متورطة إلى حد الآن في التعامل مع الإرهاب والاعتماد على جماعات متطرفة ملاحقة في الداخل والخارج، وفي الفساد المالي والإداري، وصولا إلى تورطها في توتير الأوضاع الأمنية في منطقة شرق المتوسط ذات الحساسية الخاصة دوليا، عبر إعلان التبعية المباشرة للنظام التركي صاحب الأطماع التوسعية والمغامرات غير محسوبة العواقب والتي تمثل تهديدا معلنا للسلام العالمي.

تعتبر اتفاقية السراج مع أردوغان حول المنطقة البحرية باطلة دوليا لأسباب عدة، منها أنها تتجاهل وجود الجزر اليونانية مثل كريت ورودس كنقاط فصل بين الطرفين، لا يمكن القفز عليها لتقسيم المصلحة الاقتصادية الخالصة بين تركيا وليبيا التي لا توجد أصلا، وعدم توقيع تركيا على الاتفاقية الدولية لقانون البحار للعام 1982، وفوق ذلك فإن اتفاق الصخيرات يمنع على المجلس الرئاسي التوقيع على أيّ اتفاقية دولية إلا بمشاركة جميع أعضائه التسعة، والذين لم يبق منهم بصدد المباشرة إلا خمسة، بما يعني فقدانه أهلية اتخاذ القرارات، كما أن أي اتفاق لا يمكن تمريره إلا بعد حصوله على تزكية البرلمان المنتخب، وهو أمر مستحيل نظرا لأن حكومة المجلس الرئاسي ذاتها لم تحصل على تلك التزكية، ولا تزال منذ عام 2016 تعمل خارج الأطر القانونية والدستورية والتوافقية، معتمدة على تفويضات غير شرعية كنتيجة لسياسة الأمر الواقع التي فرضتها الأمم المتحدة.

وإلى جانب عدم شرعية الاتفاقية، فإن السراج يجد نفسه في موقف صعب ربما لم يَحسب له حسابا، بقطعه جسور التواصل مع دولة عربية مركزية كمصر وبالتالي مع حلفائها الإقليميين والدوليين ومع الاتحاد الأفريقي الذي ترأسه حاليا ومع الجامعة العربية التي توجد على أرضها، وذات الأمر بالنسبة لليونان الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي وصاحبة واحد من أبرز ثلاثة لوبيات فاعلة في الولايات المتحدة إلى جانب اللوبي اليهودي واللوبي الأرمني، وكذلك بالنسبة لقبرص التي تحظى بدورها بعضوية الاتحاد الأوروبي وبتعاطف غربي في ظل استمرار احتلال جزئها الشمالي من قبل تركيا بواسطة التدخل العسكري عام 1974.

ماذا يريد السراج من كل ذلك؟ كل المؤشرات تؤكد أنه وقع في سقطة عمره بخضوعه التام للوبي التركي الإخواني الشركسي في بلاده، وبدخوله في مواجهة مع شعبه ومع دول مؤثرة في المنطقة والعالم، وبمساعدته نظام أردوغان على الاستمرار في غيّه واستفزازه لجيرانه، وتطاوله على القانون الدولي، ليجد نفسه وحيدا في مواجهة الجيش الوطني الذي يستمد شرعيته من برلمان بات بإمكانه عقد اتفاقيات مماثلة من دول شقيقة أو صديقة عبر حكومته المؤقتة التي ستجد مستقبلا من يرى فيها صمام الأمان للخروج بالبلاد من أزمتها، خصوصا وأنها تبسط نفوذها على حوالي 90 بالمئة من مساحة ليبيا.

الاثنين الماضي كان رئيس البرلمان عقيلة صالح في الرياض التي دعته لزيارتها على جناح السرعة، وتلقى الثلاثاء دعوة لزيارة أثينا، وسيؤدي خلال ساعات زيارة للقاهرة، وسيكلف وفودا بالقيام بجولة أوروبية وبعقد لقاءات داخل البرلمان الأوروبي في بروكسيل الذي يضم في صفوفه نوابا من اليونان وقبرص. كما ستعمل مصر على استصدار مواقف من الاتحاد الأفريقي ومن الجامعة العربية لضمان سيادة ليبيا وإنقاذها من مغامرات السراج الأسير في قبضة أنانيته الشخصية التي يؤكدها ميله للبقاء في الحكم وحسابات الميليشيات والعصابات المؤدلجة المحيطة به.

لقد قدم السراج خدمة للجيش الوطني ولقيادته العامة، عندما أثبت أنه غير قادر على صيانة الأمن، ولا على احترام القانون الدولي، ولا على فهم مستلزمات الجوار والعمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية، ولا على كبح جماح أطماع هاوي العمل السياسي فيه خصوصا عندما تلتقي مع أطماع الحاكم التركي محترف النهب والسلب والتوسع وكسب العداوات.

أما ركضه إلى حليفه القطري لمحاولة تلافي ردود الفعل الإقليمية والدولية عبر توجيه المبعوثين إلى الدوحة والاتصالات المباشرة مع قادتها، فلن يفيده في شيء، نظرا لاعتبارات عدة، منها أن قطر ذاتها تبحث عن حل للخروج من المأزق الذي ورطت فيه نفسها، وأن اللعب مع الكبار سيلزمه دفع المقابل وهو الإطاحة بمجلسه الفاشل لقطع الطريق أمام المزيد من مغامراته غير محسوبة العواقب، خصوصا عندما يضع نفسه في مواجهة ليس فقط مع حلفاء مصر ومناصري اليونان وقبرص، ولكن كذلك مع أعداء النظام التركي وهم كثر.