علي قاسم يكتب:

ضد الحكومة أم ضد الفساد؟

الفاجعة التي حدثت منذ أيام في تونس وراح ضحيتها 27 شابا وشابة، وباتت تعرف بين التونسيين بفاجعة “حافلة عمدون”، فجرت الكثير من الغضب، قبل أن تثير الكثير من الجدل. العشرات من المقالات، والبرامج التلفزيونية وصفحات التواصل الاجتماعي اقتصرت في تونس على تداول المأساة.

صحيفة “الصحافة” التونسية، نشرت العديد من مقالات الرأي حول الفاجعة، أحدها للكاتبة، منيرة رزقي، تحت عنوان “من يتحمل الوزر الأكبر؟”.

“هذه جريمة كبرى، لا بد أن يحاسب من تسبب فيها. إنني لا أطالب سوى بمحاسبة المسؤولين الحقيقيين عن قتل من لا ذنب لهم، سوى أنهم أبناؤنا، أبناء العجز والإهمال والتردي. كلنا فاسدون، لا أستثني أحدا. فاسدون حتى بالصمت العاجز قليل الحيلة. لست صاحب مصلحة خاصة، وليس لدي معرفة بالأشخاص الذين أطالب بمساءلتهم، ولكن لدي علاقة ومصلحة في هذا البلد. لدي مستقبل هنا أريد أن أحميه. أنا لا أدين أحدا بشكل مسبق، لكنني أطالب المسؤولين الحقيقيين عن هذه الكارثة بالمثول أمام عدالتكم، لسؤالهم واستجوابهم.. فهل هذا كثير؟ سيدي الرئيس أنا ومعي المستقبل نلوذ بعدالتكم، فأغيثونا، أغيثونا”.

هذه المقدمة استعارتها الكاتبة توطئة لمقالها بذكاء من فيلم “ضد الحكومة”، للفنان الراحل، أحمد زكي.

في العام 1992 عرض فيلم “ضد الحكومة” للمخرج المصري عاطف الطيب. والفيلم يحكي قصة مافيا التعويضات وفساد الحكومة.

بدأت أحداث الفيلم بحادثة اصطدام حافلة مدرسية بقطار نتيجة خلل في نظام تحويلات السكة الحديدية. يتولى القضية محامي تعويضات، قام بدوره الممثل الراحل أحمد زكي الذي يفاجَأ أن من بين الضحايا ابنه من زوجته السابقة؛ فيستيقظ ضميره وينجح في تحويل القضية إلى قضية رأي عام.

“سيدي الرئيس نلوذ بعدالتكم، أغيثونا”. هكذا ختم أحمد زكي مرافعته قبل أحداث الربيع العربي، التي بدأت من تونس، بعشرين عاما تقريبا. ولكن صرخة الاستغاثة لم تصل للرؤساء ولا للمسؤولين. كانت آذانهم قطعة من صخر.

ما حدث، وما يحدث في دول المنطقة سببه الأول والأخير الفساد. في تونس، أحرق البوعزيزي نفسه بسبب فشل الدولة الناتج عن الفساد. الليبيون انتفضوا ضد حكومتهم بسبب الفساد. صحيح أن هناك تدخلا خارجيا، ولكن ما كان لهذا التدخل أن يتم لولا الفساد.

السودان، دولة أخرى فاسدة. وكذلك هو حال مصر والجزائر واليمن.

سوريا، الاقتتال فيها ليس بسبب الطائفية، كما يحاول الكثير تسويقه، بل هو الفساد. المتشددون وجدوا ثغرة نفذوا منها، وما كان ذلك ليحدث لولا الفساد.

هل يوجد اليوم اثنان يختلفان على أن ما يحدث في العراق سببه حكومات فاسدة تعاقبت على حكمه؟ الولايات المتحدة وإيران تسلّلتا إلى العراق عبر الفساد.

يردّد اللبنانيون، في البلد الذي كان يوما نموذجا للتطور بين الدول العربية، شعارات ضد الفساد الذي حول لبنان إلى دولة فاشلة.

الوضع الأمني المتردي، والوضع الاقتصادي الذي تحولت بتأثير منه دولنا إلى دول فاشلة يهرب منها أبناؤنا بالمئات يوميا، يخاطرون بحياتهم عابرين البحر باتجاه أوروبا على متن زوارق بالية مهددة بالغرق. ويلحق المتفوقون منهم بوظائف عبر البحار بعد أن فشلنا في تشغيلهم. كل هذا ما كان ليحدث لولا الفساد الذي طال كل تفاصيل حياتنا. لم نخلق فاسدين، ولكن حكوماتنا الفاشلة حولتنا إلى شركاء في جريمة الفساد.

فوضى المرور فساد. رمي أعقاب السجائر فساد. الرشوة مهما صغر حجمها فساد. التهرب من العمل وتصنّع المرض فساد. لذلك لم يستثن أحمد زكي أحدا من تهمة الفساد.

مليون أحمد زكي يصرخون اليوم في شوارع مدن عربية: سيدي الرئيس أغيثونا، أغيثونا.