هاني مسهور يكتب:
«إخوان» اليمن.. رهانات وارتهانات
واحد من أهم التساؤلات التي لطالما تُطرح خلف الأبواب المغلقة، ماذا سيكون وضع تنظيم «الإخوان» في اليمن بعد التسوية السياسية؟ سؤال يحتدم كلما تهيأت فرصة للتسوية وإيجاد حلول سياسية تنهي صراعاً أنهك اليمنيين على مدار سنوات طويلة، ومازال قابلاً، ليواصل الاحتراب في ظل توفر أدوات الحرب، كما تتوفر الأجواء الملائمة لها.
«إخوان» اليمن الذين كانوا، منذ نشأت ما يسمى الجمهورية العربية اليمنية بعد الانقلاب داخل البيت الزيدي (سبتمبر 1962)، جزءاً لا يتجزأ من السلطة السياسية الحاكمة للشمال اليمني، خاضوا عقوداً طويلة كلاعبين قادرين على لعب الأدوار المتقدمة، ليس في حدود الجغرافيا اليمنية، سواء الشطرية أو الموحدة، فلقد كانوا الأكثر قدرة على استيعاب تطورات المنطقة والاستفادة منها، في ظل وجودهم داخل السلطة.
ما بين الرئيس السابق علي صالح والشيخ القبلي عبدالله حسين الأحمر، كان أكثر من تقاسم سلطة سياسية في بلد تتداخل فيه كافة التقاطعات، عبر شبكات مصالح الفساد السياسي التي تراكمت عبر العقود، حتى جاءت لحظة المواجهة بوفاة عبدالله الأحمر في نهاية 2007 ليدخل معها اليمن صراعات متعددة الأقطاب، منها تسللت قوى خارجية عبر «الحوثيين» في صعدة ومنها اشتدت قوة تنظيم «الإخوان» بأذرعه المتعددة، سواء «القاعدة» أو القوات النظامية في الجيش والأمن الداخلي، أو القبائل الموالية لهم.
كان أبناء عبدالله الأحمر يشعرون أن ما بعد رحيل والدهم باتت الفرصة ممكنة لهم لإزاحة علي عبدالله صالح والاستفراد بالحكم، استنادهم على قوة (مخفية) يمثلها «التنظيم الدولي للإخوان»، وظل المحفز الأقوى، حتى عندما حانت فرصة التصادم في العاصمة صنعاء داخل ما يسمى «الربيع العربي» في 2011، كانوا أكثر الأطراف اندفاعاً للتصفية الجسدية لكل من يقف أمام مشروعهم.
لم تكن محاولة اغتيال علي صالح في جامع النهدين إلا ما يمكن أن يوصف بأنه المشهد الأكثر (حقيقة) في مدى الاندفاع نحو السلطة، هذا الاندفاع المتوحش لم يكن بخلفية يمنية كما أصبغوا عليه، إنما بخلفية واسعة الإطار، فهي تحقق لـ«التنظيم الدولي» واحداً من أهم أهدافه الكبرى، بفرض السيطرة على أكبر مساحة جغرافية في الجزيرة العربية، وتضع السعودية تحت حزام تهديد أمني، يضاف لذلك فرض الأمر الواقع على التوازنات الدولية الإقليمية، بإخضاع الممرات المائية، من بحر العرب إلى مضيق باب المندب، تحت قبضة التنظيم الدولي.
ما كشفته وثائق «نيويورك تايمز» عن التسريبات التي تمت وترصد الاتفاق مع «الإخوان» برعاية تركية، كانت تأكيداً لشواهد ودلالات متعددة، فلقد حمل لقاء قيادات الصف الأول من حزب «التجمع اليمني للإصلاح» مع زعيم «الحوثيين» عبدالملك الحوثي، في معقله بمحافظة صعدة، إشارة على تلك التفاهمات عالية المستوى، ومع ذلك فإن الأهم النظر إلى أن ما سبق التفاهمات بين التنظيم الدولي، برعاية قوتين إقليميتين على أن تكون اليمن الساحة الخلفية للتصارع مع السعوديين، أن المشروع «الإخواني» كان قد تلقى ضربة موجعة في ثورة 30 يونيو المصرية التي غيرت كافة الحسابات «الإخوانية»، مما أعاد اليمن للواجهة كملاذ آمن للتنظيم الدولي، ومصدراً لتهديد أمن السعودية والخليج العربي.
لم يخرج «إخوان» اليمن عن التزاماتهم مع دخول «عاصفة الحزم»، فلقد سلموا تنظيم «القاعدة» الإرهابي الساحل الحضرمي ليضمنوا التوازنات الداخلية لهم، وفي السنوات التي اشتملت على الصراع مع مليشيات «الحوثي» استطاعوا تكوين جيش عسكري يتمركز في محافظات مأرب وتعز والجوف ووادي حضرموت، إضافة لقوات منتشرة في محافظتي شبوة وأبين، توازنات جديدة ومختلفة عن تلك التي كانت قائمة في 2014 مع بقاء أذرع أخرى لـ«إخوان» اليمن يتم تفعيلها كلما استدعت الحاجة إليها، تتمثل في عناصر تنظيم «القاعدة» و«داعش».
هذا الواقع «الإخواني» في الخريطة اليمنية، يحاول الاحتفاظ بقوة إضافية من خلال تكريس الأيديولوجيات المتشددة في أعضاء التنظيم، عبر خطابات كرست العداء مع خصوم «الإخوان» التقليديين في مصر والإمارات والسعودية، والمتغيرات الطارئة في المشهد الدولي، سواء بالضغط الأميركي على القوى الداعمة للإخوان، أو المتغيرات الإقليمية في خلع نظام البشير في السودان، لم تغير من رهانات «التنظيم الدولي للإخوان»، وهو ما ينعكس على «إخوان» اليمن.
الارتهان «الإخواني» في اليمن للتنظيم الدولي لا يمكن أن يتزحزح، بسبب قدرة «إخوان» اليمن، دون غيرهم من أفرع التنظيم، على التحول في المواقف، مستغلين البراغماتية التي يمتاز بها اليمنيون عن غيرهم، وللتداخل في تشكيلات المجتمع اليمني قبلياً، وعلى ذلك التداخل يحصل التنظيم على الحصانة الممكنة لبقائه في المشهد السياسي اليمني، كل هذه الإرهاصات لن تغير من واقع المحصلة النهائية للتسوية السياسية التي ستنتهي بتزاوج بين «الحوثيين» و«الإخوان» لحكم اليمن، حتى وإن تم استيعاب ما سيتم فرضه دولياً بتجريدهم بشيء من السلاح الثقيل، أو إنشاء منطقة عازلة على حدود السعودية الجنوبية.
من الصعوبة كسر هذه المراهنات بحلول لا تراعي مصلحة الأمن القومي العربي الذي يلزمه جرأة وشجاعة في مواجهة خطر سيبقى مهدداً وجودياً للمنطقة، فالتفكير بحشر هذه القوى المتعصبة دينياً في زاوية ضيقة، يبدو أسلم الطرق التي يجب اتباعها، وإدراك الفروقات بين الجنوب غير المؤدلج والشمال الذي بات أكثر ضراوة في التعامل مع جواره، وإن أبدى مرونة شكلية في تسوية لن تكون غير مرحلة زمنية، يلتقط فيها «الوحوش» شيئاً من أنفاسها لتعاود النهش في جوارها الحدودي، وتعيد اليمن ليكون برميلاً من بارود ينتظر الانفجار في وقت آخر.