طاهر علوان يكتب:
الصحافيون المشاكسون المعتدى عليهم
لا يكاد ينتهي عام إلا ويحمل معه أخبارا وإحصائيات عن الحريات الصحافية من حول العالم.
ولا يكاد ينتهي عام من دون أن يشهد انتهاكات بحق الصحافيين تصل إلى درجة القتل.
إسكات أصوات الصحافيين يصبح هدفا مشتركا في كل أنحاء العالم، لكنهم صحافيون مشاكسون وحشريون وأحيانا شرسون في الاستقصاء وطرح الأسئلة.
لم يكن مستغربا في هذا السياق مثلا الاشتباك الذي حصل بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع أحد الصحافيين المعتمدين في البيت الأبيض ومن فرط تداخلات الصحافي وأسئلته التي تحمل طابع الإلحاح غضب ترامب وقال للصحافي ما هو مشين مثل إنك شخص فظيع وصحيفتك فظيعة وصولا إلى سحب ترخيصه لحضور المؤتمرات الصحافية.
والقصة تتسع في مواقع أخرى ما دام الصحافي ينبش في الأحداث ويقلب في الحقائق لاسيما ذلك النوع المرتبط بالتسريبات.
ففي حمى الحملة الانتخابية في بريطانيا تم تسريب وثائق تتحدث عن نوايا مسبقة لرئيس حزب المحافظين الحالي والمرشح الأقوى للفوز بالانتخابات بوريس جونسون وتتعلق بإمكانية بيع القطاع الصحي أو تأجيره بينما هو أيقونة المنجزات الحضارية بالمملكة المتحدة في توفير الرعاية الطبية المجانية لمواطنيها.
في المشهد العراقي الدموي يتهم الصحافيون بأنهم محرضون ومحرفون للحقائق وسجل أكتوبر الماضي أسوأ شهر في مجال حرية الصحافة منذ 2003
الصحافة التي روجت للتسريبات سرعان ما اتهمت بأنها تتبع التحريف الروسي المحتمل ومحاولة التدخل في الانتخابات.
الصحافيون لم يصنعوا تلك الوثائق ولم يجلبوها من عندهم بل تم تداولها بهذا الشكل أو ذاك ولكن ومع ذلك هم مشاكسون ويحاولون النيل من التفوق المحتمل لأحد الحزبين المتصارعين، العمال والمحافظين.
في حالات أخرى ولكي لا يسمع المسؤول إلا ما يطربه ويعجبه من أسئلة يلجأ المكتب المسؤول عن منح التصاريح للصحافيين إلى منحها للصحافيين من فصيلة -غير المشاكسين- وهي فصيلة غريبة متماهية مع السلطات.
مثال بارز على ذلك هو الوفد الصحافي الذي يرافق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فهو فريق لا يتدخل في أيّ قضية لا يريد الرئيس الحديث عنها، إنهم يظهرون متحلقين حول الرئيس في الطائرة الرئاسية الفخمة لكن يبدون كمن يملى عليهم ما يجب أن يوصلوه إلى الرأي العام.
في حالة ذلك البلد وفي إطار الصحافيين المشاكسين الذين ينبشون ويفتشون عن الحقيقة لم يكن مستغربا مثلا حجب ما يعرف بالبطاقات الصحافية الصفراء والتي تمنح عادة للصحافيين الأجانب لغرض السماح لهم لمزاولة عملهم الصحافي في تركيا والعذر إنهم يشكلون خطرا أو تهديدا للأمن القومي.
في المشهد العراقي الدامي والمتفجر يتم اتهام الصحافيين بأنهم محرضون ومحرفون للحقائق وتقول جمعية الدفاع عن حرية الصحافة أن العراق سجل خلال أكتوبر الماضي أسوأ شهر في مجال حرية الصحافة منذ 2003 وحتى الآن.
وأوضحت الجمعية، في تقرير لها أن “العراق شهد خلال تظاهرات أكتوبر انتهاكات غير مسبوقة طالت الصحافيين في مجموعة من المحافظات العراقية”.
وأضافت أن فرقها رصدت خلال الشهر الماضي 89 حالة انتهاك طالت الصحافيين.
ووفق تقرير الجمعية، فإن حالات الانتهاك شملت هجمات مسلحة وعمليات اقتحام وإغلاق مقار ومكاتب 17 وسيلة إعلام، فضلا عن 33 حالة تهديد بالتصفية.
وأشار التقرير إلى اعتقال 8 صحافيين من قبل أفراد الأمن دون مذكرات توقيف قانونية، وكذلك إصابة 14 صحافيا بالرصاص الحي وقنابل الغاز المسيل للدموع خلال تغطية الاحتجاجات.
وأضاف التقرير أن 28 صحافيا تعرضوا خلال الشهر ذاته إلى اعتداءات بالضرب ومنع تغطية الاحتجاجات وأعمال العنف المرافقة لها.
هذا مثال للوضع المزري الذي يعاني منه الصحافيون في الكثير من البقاع لأنهم صحافيون، ولكن وإن كانوا مشاكسين ومتمسكين بالكشف عن الحقيقة التي ائتمنوا عليها، هل يكفي ذلك لكي يعتدى عليهم بوحشية أو تساء معاملتهم أو يتم الحط من كرامتهم؟