الحبيب الأسود يكتب:

قطر تضيع فرصة قمة الرياض وتعيد أزمتها إلى المربع الأول

كعادتها كانت الرياض في مستوى الحدث عند استقبالها القمة الخليجية الأربعين أول أمس الثلاثاء. التنظيم كان جيدا والإعداد كان دقيقا، المملكة لا تقصّر في مثل هذه المناسبات، والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أصرّ على استقبال الضيوف بالكثير من الحفاوة، وأراد من خلال ذلك التأكيد على أهمية مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يعتبر الكيان الوحيد المتبقي من جملة الكيانات الإقليمية العربية التي تشكلت في ثمانينات القرن الماضي، ثم اندثرت بمرور الوقت لأسباب كثيرة، لعل أبرزها حرب الخليج الثانية مشرقا، وملف الصحراء المغربية مغربا.

الحضور في قمة الرياض كان عاديا ومنتظرا باستثناء المشاركة القطرية التي حسب الكثير من المتابعين ستكون في مستوى ما تم الحديث عنه من اتجاه لتحقيق المصالحة بين نظام الدوحة والدول التي قاطعته في يونيو 2017، خاصة في ظل الوساطة الكويتية والجهود التي تبذلها واشنطن، ثم بعد الإعلان عن الزيارة السرية التي أداها وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إلى المملكة في أكتوبر الماضي، ومشاركة منتخبات البحرين والإمارات والسعودية في دورة خليجي 24 لكرة القدم المنتظمة مؤخرا بالدوحة.

تلقى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل الثاني دعوة رسمية من العاهل السعودي لحضور القمة، لم يعلن أنه يعاني من وعكة صحية، ولم يحدث طارئ في بلاده، ليمتنع عن ركوب طائرته والاتجاه إلى الرياض، ولكن كان خيارا منه أن يكلف رئيس وزرائه بتمثيله، رسالته وصلت بسرعة: الشيخ تميم ليس جاهزا للتعهد بما يمكن أن يحقق المصالحة، وليس مستعدا للتنازل عن مواقفه السابقة لإخراج نظامه من العزلة التي دفع بها إليه.

أدرك الشيخ تميم أن وعد وزير خارجيته بالتخلي عن جماعة الإخوان غير كاف، فذلك الوعد ليس قابلا للتأكد من جديته ولا من حقيقة تنفيذه، لا أحد من الدول الأربع سيضع مراقبين لمعرفة ما إذا كان هناك إخوان يحلون بمطار الدوحة أو يغادرونه، أو لملاحقة حقائب الدولارات وهي تنتقل لدعم هذه الجماعة أو تلك، أو لتمويل هذا الحزب أو تلك الحركة أو أولئك المتخصصين في شن الحملات الإعلامية المعادية لمحور مكافحة الإرهاب.

يرى البعض أن كل ما تبحث عنه الدوحة هو العودة إلى ما قبل يونيو 2017، والاستمرار فيه، فالنظام القطري بات أسيرا لمشروع عقائدي لا يستطيع التنصل منه خصوصا في ظل تبعيته لحليفه التركي، وتحالفه مع جاره الإيراني، ورفع العقوبات يريد أن يجعل منه انتصارا يحسب له، لا تراجعا عن مواقف يزعم أنها منتهى الصواب، بينما يراها غيره منطلقا للدمار ودعما للتطرف والإرهاب.

ويعتقد بعض آخر أن قطر تبحث عن حل لأزمتها ولكن دون التراجع عما تعتبره جزءا مهما من سيادتها، وهو الإبقاء على تحالفاتها مع إيران وتركيا وقوى الإسلام السياسي ومراكز النفوذ التي شكلتها لخدمة أهدافها والترويج لسياساتها، ولو كان في ذلك ضرر ببقية الدول الخليجية والعربية، هي لم تدرك بعد أن الكيانات السياسية كمجلس التعاون، تفرض على أعضائها التنازل عن جانب من خياراتها السيادية لفائدة الكيان الجامع، كما يحدث في الاتحاد الأوروبي مثلا. قطر في هذا المجال تكتفي بالتوقيع على مضامين البيانات الصادرة عن الاجتماعات الخليجية دون العمل بها، وأحيانا تعمل عكسها.

هناك فرضية ثالثة تمت الإشارة إليها في بعض وسائل الإعلام الغربية، عن رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أن يحقق المصالحة الخليجية من خلال دعوته إلى قمة خليجية في بلاده العام القادم، وبذلك يحقق هدفا انتخابيا في ظل توقه إلى عهدة ثانية، هذا إذا لم تتم الإطاحة به قبل ذلك، وفي حال صحت تلك الفرضية فإن ما يهم قطر هو إرضاء البيت الأبيض، وليس الدور الكويتي والعلاقة مع دول مجلس التعاون.

مهما كانت حسابات النظام القطري فإنه خسر فرصة ذهبية لتجاوز أزمته. منذ 30 شهرا، كانت هناك إشارة واضحة وهي أن الحل للخروج من عزلته موجود في الرياض، والحقيقة أن أمير الكويت قام بجهود كبيرة في هذا الاتجاه، والسعوديون كانوا متعاونين معه، والإمارات تخلت عن تنظيم القمة الأربعين لفائدة المملكة لتعطيها مساحة التحرك من أجل مصلحة مجلس التعاون باعتبارها الشقيقة الكبرى التي كان سيعتدّ بضمانها لأي موقف قطري، ولكن نظام الدوحة لم يفهم الإشارات، أو رفض أن يفهمها، ما جعل وزير خارجية البحرين يعرب عن أسفه لـ”عدم جدية دولة قطر في إنهاء أزمتها مع الدول الأربع، وهو الأمر الذي كان واضحًا تمامًا في طريقة تعاملها مع الدورة الأربعين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية”، معتبرا أن إيفاد أمير قطر لرئيس وزرائه للمشاركة في اجتماعات قادة دول مجلس التعاون في الرياض يعبر عن “سلبية قطر الشديدة والمتكررة”.

المؤكد أن ما جاء على لسان وزير خارجية البحرين لا يعكس وجهة نظر بلاده فقط، وإنما كل الدول المعنية بالأزمة مع قطر، وهو ما أعاد القضية إلى المربع الأول عبر إعلان الدول المقاطعة التمسك بموقفها وبمطالبها المشروعة والقائمة على المبادئ الستة الصادرة في الخامس من شهر يوليو 2017، كما أشار الوزير البحريني، وبذلك تكون قطر قد أضاعت الفرصة إمعانا في المكابرة التي لن تجني منها إلا المزيد من العزلة