الحبيب الأسود يكتب:

محاولات قطرية يائسة لشق الصف الخليجي

تحاول الدوحة شق واختراق صف الدول التي تقاطعها منذ يونيو 2017. التسريبات القطرية تشي بذلك، والهدف واضح، وهو الإيحاء بأن القطريين نجحوا في احتواء الأزمة، دون تقديم أي تنازلات تذكر، وأن فتح باب للحوار مع الرياض قد يكون مدخلا لتحول في الموقف السعودي إزاء نظام الدوحة.

وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني قال السبت الماضي إن قطر أجرت نقاشات مع المملكة العربية السعودية، وأن تخفيف حدة الأزمة مع المملكة مكّنَ الدولتين الجارتين من إنشاء خط اتصال بينهما، وفق تعبيره.

الرد جاء سريعا من أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، الذي أوضح أن التسريبات القطرية الأخيرة بشأن حلّ أزمة الدوحة مع المملكة العربية السعودية دون الدول الثلاث هدفها شق الصف والتهرب من الالتزامات. وأكد أن المملكة تقود جبهة عريضة من أشقائها في هذا الملف وملفات إقليمية أخرى.

في العاشر من الشهر الجاري، اشرأبت الأعناق نحو الرياض بمناسبة القمة الخليجية الأربعين، التي كان البعض يعوّل على أن تشهد انفراجة في أزمة قطر مع جيرانها، غاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني واكتفى بتكليف رئيس وزرائه الشيخ عبدالله بن ناصر آل ثاني بتمثيله. العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز استقبل ممثل قطر كبقية رؤساء الوفود، حيث هناك أخلاقيات سعودية متوارثة في حسن وفادة القادمين إليهم، حتى ولو كانوا أعداء، ثم هناك بروتوكول معتمد في مثل هذه المناسبات، البعض حسب أن مجرد تنظيم ذلك الاستقبال يعني تغيرا في موقف الرياض، وأعادوا ذلك إلى حوار سابق بين البلدين بدأ مع زيارة سرية أداها وزير الخارجية القطري إلى المملكة في أكتوبر الماضي، لكن وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي، عادل الجبير، أكد على ضرورة تغيير النظام القطري سياساته والقيام بمزيد من الخطوات خصوصا في ما يتعلق بوقف دعم الإرهاب. بينما أوضح وزير الخارجية البحريني خالد بن محمد آل خليفة أن “عدم جدية قطر في إنهاء أزمتها واضح” خلال قمة مجلس التعاون الخليجي، حيث ظهرت “سلبيتها الشديدة والمتكررة بإرسال من ينوب عن أميرها دون تفويض يمكن أي يسهم في حل أزمتها”، وأضاف وزير خارجية البحرين أن ما صرح به وزير الخارجية القطري عن أن الحوار مع السعودية قد تجاوز المطالب التي وضعتها الدول الأربع لإنهاء الأزمة “لا يعكس أي مضمون تم بحثه مطلقا”.

30 شهرا مرت إلى حد الآن على القطيعة التي أعلنتها السعودية والإمارات والبحرين ومصر نحو قطر. الدول الأربع يمكن أن تستمر في موقفها سنوات أخرى، فالأمر بالنسبة لها ليس مجرد خلاف سياسي مع نظام الدوحة، الواقع أن هناك مشروعين متناقضين يتصارعان. مشروع مبني على قيم الاعتدال والوسطية والتسامح والدفاع عن سيادة الدول ووحدة الشعوب والمجتمعات وتحصين الأمن القومي العربي في وجه الأطماع الإقليمية والدولية تدافع عنه الرياض وحلفاؤها. ومشروع لبث الفوضى والانقلاب على الأنظمة ودعم التطرف والإرهاب والتدخل في شؤون الدول الأخرى والتحالف مع الأعداء والتعويل بالأساس على جماعات الإسلام السياسي، وتقوم قطر فيه بدور رأس الحربة.

هل يمكن للمشروعين المتناقضين أن يجتمعا؟ كل المعطيات المنطقية تنفي هذا الاحتمال. هل تخلت قطر عن مشروعها؟ لا شيء يدل على ذلك، حيث لا تزال الدوحة مندفعة بقوة لدعم ومساندة أو تبني أي موقف معاد للدول الأربع، وهي اليوم تدفع نحو مزيد توطيد تحالفاتها مع تركيا وإيران، ومزيد دعمها لقوى الإسلام السياسي الانقلابية، وستستمر على هذا الوضع الذي تعتبره جزءا من البنية العقائدية لنظام الحكم فيها.

ما يزيد من تعقيد المسألة أن قرار الدول الأربع في يونيو 2017 لم يكن وليد خلاف طارئ، وإنما نتيجة لتراكمات عقدين من الزمن، سعت خلالهما قطر إلى ضرب تلك الدول وغيرها من الداخل والخارج، من خلال مؤامرات موثقة، ومخططات تخريبية تم الإعداد لها اعتمادا على أطراف محلية وإقليمية، وحملات دعائية ممنهجة للإساءة للرموز والثوابت، وتمويل واحتضان للمتآمرين، فهل تراجعت الدوحة عن كل ذلك؟ هناك من يقول إنها وعدت بالتخلي عن علاقتها بالإخوان، الدول الأربع ترى أن ذلك غير كاف، الأهم هو التخلي عن العقيدة الانقلابية والتآمرية للنظام ضد جيرانه وأشقائه.

تحاول اليوم الدوحة شق صف التحالف العربي بالترويج لمشروع مصالحة بينها وبين المملكة العربية السعودية. خلال العامين الماضيين أقامت الدوحة الدنيا ولم تقعدها من خلال حملتها ضد الرياض، وكانت تراهن بكل قوة على الإساءة إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ودفعت أموالا طائلة لتجييش أبواق الدعاية السوداء واللوبيات ومراكز البحوث والمنظمات الحقوقية ضده، وكانت النتيجة أن مشروعها فشل، لكن الجرح الذي أثخنته لا يزال غائرا. كذلك كان للدوحة دور في العدوان على المملكة من قبل حليفها الإيراني، وفتحت أراضيها لقواعد عسكرية تركية، وجيرت وسائل إعلامها لميليشيات الحوثي، وتحالفت مع كل من ترى أنه قد يكون عدوا ولو محتملا للمملكة، وكل ذلك يعتبر جانبا متأصلا في سياسات النظام القطري.

هل تتخلى الدوحة اليوم عن تلك السياسات وغيرها؟ ما جاء على لسان وزير خارجية البحرين ووزيري الدوحة للخارجية في الإمارات والسعودية، يؤكد أن لا شيء يدل على ذلك، ويشير بصفة غير مباشرة إلى أن الوقت لا يزال طويلا حتى تتخلى الدوحة عن سياساتها العدوانية، أو حتى تجد الحكمة والشجاعة لتعترف بأخطائها وتغيّر منهجها في التعامل مع أشقائها، أما محاولاتها شق الصف المقابل فلن تؤتي أكلها، لأسباب عدة منها أن للدول الأربع مشروعا يتناقض تماما مع المشروع الذي يتبناه النظام القطري إلى الآن على الأقل.