كرم نعمة يكتب:

تعريف مقترح للذكاء

عندما يعترف أحد الأشخاص بأن هناك من هو أذكى منه بين أفراد الأسرة، فهذا لا يعني تواضعا بقدر ما هو طموح لمزيد من التفكير كي يجعل من نفسه أكثر ذكاء.

فكرة الذكاء مرتبطة في الأوساط الاجتماعية العربية بالشهادات الجامعية، وهي ليست صحيحة دائما، فالأطباء ليسوا أذكى الناس لمجرد حصولهم على معدلات دراسية عالية.

وعبارة “فلان أذكى الناس” لأنه تفوق في دراسته وحصل على معدل عال، لا معنى لها وفق تعبير الكاتب سيمون كوبر، لأن الذكاء ليس ثابتا، فمن كان أذكى الناس في يوم ما وفق النظرة الاجتماعية السائدة، إن لم يتطوّر واستوت حياته مع الحصول على الشهادة الجامعية، لا يعني أنه ذكيا.

نكتشف أناسا لديهم عقول نيرة، وهذا ما يمكن التعويل عليه في مفهوم الذكاء، لأنه مرتبط أحيانا بطريقة المشي في الطرقات المزدحمة والتسوّق والتصرف بين الجموع.

فلو كان فلان الحاصل على أرقى المعدلات الدراسية، يقف في طريق ضيق يستخدمه الناس بشكل مستمر، لمجرد التأكد من الرسالة التي وصلت للتوّ على هاتفه المحمول، فهو يحمل درجة من الغباء لا تغطيها أي من شهاداته الجامعية، لعدم شعوره بمن حوله في لحظة قطع الطريق!

الذكاء أيضا مرتبط بفكرة الإنصات والاستيعاب والذهن المفتوح لما يقوله الآخرون، بغض النظر عن أي مؤهلات أخرى، ذلك أبرز علامات السياسيين البارعين، ينصتون إلى غيرهم من أجل أن يستنتجوا ما لا يحمله الكلام. الذكاء يكمن في استيعاب الرسائل في متن الكلام بغض النظر عن حالة المتكلم الاجتماعية.

لذلك يكتب كوبر في مقال رائع له بصحيفة فايننشيال تايمز عن أنواع الذكاء، أن الأشخاص الذين يتمتعون بموهبة القدرة على رؤية العالم عادة يبقون كاميراتهم موجهة نحو الخارج. المضطربون عصبيا والنرجسيون لا يستطيعون فعل ذلك، على الرغم من أنه بمقدورهم أن يكونوا فنانين رائعين ويتخذ من المخرج البارع وودي آلن مثالا على ذلك!

هناك درجة شائعة من الغباء توصف في بعض مجالسنا العربية بنوع من الذكاء، عندما يكرر بعضهم أسماء مشهورة للتباهي ومعلومات شائعة ومعروفة بوصفه أول من يتحدث بها، الغباء لا يكمن في التكرار نفسه، بقدر ما يوجد في إعادة نفس الكلام أمام أشخاص سبق وأن سمعوا هذه المعلومات من الشخص نفسه. الصمت في هذه الحالة يصنف ضمن أنواع من الذكاء والكياسة أيضا.

بفضل هذا الاختبار، يتعلم الأشخاص ذوو العقول النيرة في العالم الحديث أنه لا توجد فكرة كبيرة تشرح كل شيء. وهذا ما تصفه إستير دوفلو التي نالت جائزة نوبل في الاقتصاد هذا العام بأن “الأفكار الكبيرة مغرية للغاية” لكنها تؤمن بالأفكار الصغيرة حسب حوار سابق لها مع سيمون كوبر.

المخيلة غالبا ما تكون طريقة فذة للذكاء فالوقت الذي يقضيه عالم الاجتماع يوفال نوح هراري في تأمل أوضاع العالم يوميا، جعله ينتج أروع أنواع الكتب في تحليل الشخصية الإنسانية.

وأدورد سعيد رجل ذكي ليس لأنه ساعد على استحداث مجال دراسات ما بعد الاستعمار، بل لأنه كان ناقدا موسيقيا مهما، حسب اعتقاد كوبر.

وهذا ما يدفعنا إلى القول إن الذكاء تعريف لمن يجمع في داخله شيئا ما بين العالم والشاعر. الشاعر لديه الأفكار، والعالم يختبرها.