علي قاسم يكتب:

قمة كوالالمبور مسرحية الهدف منها تضليل العالم

لماذا اختار رئيس ماليزيا، مهاتير محمد، أن يتحدث عن الإسلاموفوبيا محملا دولا إسلامية مسؤولية تفاقم الظاهرة، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني حسن روحاني، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني؟

ومن هي الدول الإسلامية التي تتحمل مسؤولية تفاقم الإسلاموفوبيا، أو تعمّد مهندس الإسلام السياسي، مهاتير محمد، عدم تسميتها؟

لنبدأ أولا بالتعريف بمهاتير محمد، البالغ من العمر 94 عاما، فهو من مواليد عام 1925، نشأ في ضاحية فقيرة، ضمن أسرة متواضعة المستوى ماديا واجتماعيا.

تفوّقه الدراسي سهّل له الحصول على منحة للالتحاق بمدرسة إنجليزية، ليلتحق بعدها بدراسة الطب. ولكن شغفه بالسياسة هو ما أوصله بعد رحلة طويلة تقلّب خلالها في مناصب عديدة، ليصبح رئيسا للوزراء في ماليزيا عام 1981.

طبيب في رئاسة الوزراء، هذا ما يمكن أن يوصف به مهاتير، وهذا ما اختاره ليكون عنوانا لكتاب من تأليفه، أصدره عام 2011.

أعظم إنجازاته كانت إستراتيجية الانتعاش الاقتصادي، التي طبّقها عقب الأزمة الاقتصادية الآسيوية في عام 1998. وخالف فيها آراء مستشاريه، رابطا سعر صرف عملة البلاد بالدولار الأميركي، وكانت هذه الخطوة الجريئة سببا في تعافي اقتصاد ماليزيا بنسق أسرع من الدول الآسيوية الأخرى.

حصل مهاتير على العديد من الجوائز والأوسمة المحلية والدولية، من ضمنها: جائزة جواهر لال نهرو للتفاهم الدولي عام 1994، وجائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام عام 1997. وفي عام 2007، تم ترشيحه لجائزة نوبل للسلام، لدوره في إعادة إعمار البوسنة والهرسك.

رجل مثل هذا لا يمكن أن يفتقد مقدرة التمييز، ولن تعوزه الوسائل لمعرفة ماذا يجري في العالم. إلا إذا كان التقدم في العمر هو السبب.

الدول التي تتحمل مسؤولية تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا، هي دول ثلاث، كان رؤساؤها مجتمعين إلى مهاتير محمد عندما قال إن “أعمال الإرهاب سيئة السمعة” أدت إلى الخوف من الإسلام لدرجة تصل إلى الرهاب المرضي.

ملاحظات مهاتير تم توجيهها خلال قمة إسلامية عقدت في كوالالمبور، واختارت المملكة العربية السعودية عدم التوجه إليها. وفسرت قرارها بعدم الحضور بأن القمة ليست الساحة المناسبة لطرح القضايا التي تهمّ مسلمي العالم، البالغ عددهم 1.75 مليار نسمة. وهي لن تحضرها إلا إذا عقدت تحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي.

في الوقت الذي تبذل فيه السعودية الجهود لمكافحة مظاهر التطرف والتشدد، وما ارتبط بها من إرهاب أدى إلى تفاقم ظاهرة الإسلاموفوبيا، اختار مهندس الإسلام السياسي، مهاتير محمد، أن يجمع حوله ثلاثة من أعتى الأنظمة الراعية للتطرف والإرهاب.

العلاقات المتوترة بين السعودية وقطر سببها رعاية دولة قطر وأميرها للإخوان المسلمين، ودعمها الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي.

ويمكن قراءة التغيب السعودي عن القمة، أيضا، بأن حضورها سيمنح شرعية للنظام الإيراني الذي لا يخفي طموحاته التوسعية في المنطقة. نفس الشيء ينطبق على تركيا.

من يشعل النار، لا يطفئها. والأنظمة الثلاثة المذكورة هي من أشعل النار وتصنع البراءة، وتريد أن توهم الجميع، من خلال المشاركة في مؤتمر يدين الإرهاب، أنها جادة في إطفاء الحريق.

هل هناك حاجة للتذكير بالحرائق الإيرانية في دول الجوار، بدءا بلبنان، ومرورا بسوريا والعراق وصولا إلى اليمن. وبالقرصنة في مياه الخليج والاعتداء على محطات النفط في السعودية. وسعي آيات الله لامتلاك السلاح النووي لتهديد جيرانهم؟

الدعم القطري للتطرف والإرهاب، من خلال وسائل الإعلام وتقديم المساعدات المالية، هو الآخر لا يحتاج إلى إثبات.

في سلسلة جديدة من الفضائح، نشر موقع نورديك مونيتور، السويدي المتخصص في شؤون الاستخبارات، تقريرين أشار فيهما إلى أنّ وكالة الاستخبارات العسكرية الأميركية ذكرت في تقرير سرّي، بتاريخ يونيو 2016، أن تركيا وقطر دعمتا جبهة النصرة.

وكشفت التقرير التنسيق المتبادل بين المخابرات التركية والجماعات الإرهابية في سوريا، وركّز بشكل خاص على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وعلى جبهة النصرة. وأشار تقرير موقع نورديك مونيتور إلى أن هذه الأخيرة حافظت على توريد المعدات وشبكة تسهيل قوية للحفاظ على الإمدادات والذخيرة وتدفقات الأسلحة. وكانت العلاقة الأوثق، حسب التقريرين بين تركيا وداعش.

وتؤكد الوثيقة ما جاء في تقرير سابق لأجهزة الاستخبارات الهولندية، كشف هو الآخر عن استخدام داعش أراضي داخل تركيا قاعدة لتدريب عناصره، وتحدث عن عبور الآلاف من عناصر داعش إلى سوريا وأوروبا.

الرئيس الماليزي “غاضب ومحبط”، وطالب قادة الدول الإسلامية بالعمل على تصحيح الآراء السلبية بشأن الإسلام، والتوصل إلى خطة منسقة لمواجهة الإسلاموفوبيا. كان الأجدر بمهاتير أن يوفر غضبه، ويكتفي بعدم المشاركة في إخراج مسرحية الهدف منها تضليل العالم.

حتى لو لم يكن هدف مهاتير ذلك، يبقى الهدف من القمة استهداف المملكة العربية السعودية، من خصومها الثلاثة في المنطقة، إيران وقطر وتركيا.. نأمل أن لا يكون رابعهم مهاتير محمد.