حسن العديني يكتب:
إيران تبلع المُر وتكتفي بالرغي.. واليمن سلاح أكثر وخبز أقل
محزن جداً أن يُقتل قائد فيلق القدس قبل أن يحرر القدس بل وقبل أن يكمل تحرير بغداد من أهلها..!
إن كان للمباراة أن تستمر ففي الميدان العربي.
ليس في البحر ولا في البر الإيراني، وأغلب الظن أن إيران ستبلع المر وتكتفي بالرغي.
والذين يظنون أن ترد إيران أو أدواتها واهمون.. لا حسن نصر الله ولا كل من هم أدنى منه.. من لبنان إلى العراق إلى محمد علي الحوثي.
لا شيء يشعل المنطقة.. لا شيء.
**
الأخضر الإبراهيمي بعد أحمد قائد صالح، ولكن الأيقونة جميلة بوحيرد سنة واحدة.
يجمع هؤلاء هواري بومدين قائد جيش التحرير وجمال عبدالناصر الداعم والمؤيد.
الرحمة للابراهيمي الذي لم يستطع أن يضع عينيه في عيني عبدالناصر وطلب من بومدين أن يعفيه من سفارته بالقاهرة بعد مرارة عبدالحكيم عامر في 67.
**
اليمن.. سلاح أكثر وخبز أقل
البندقية أداة حرب، لكنها في اليمن أداة للزينة والتأنق.
هكذا كان الرجال يعلقونها فوق أكتافهم في المناسبات الاجتماعية والدينية، وإذا راموا بالنار، فإنما للتدرب أو الاستيثاق من القدرة على التصويب.
وكثيراً ما دخل الأهل والجيران في مباراة لإصابة هدف دقيق في ما يسمونه “النصع”.
لكن قليلاً ما أطلقت النيران في حروب داخلية، باستثناء تلك التي خاضها الأئمة ضد سكان المناطق التي قاومت الضيم في البيضاء وإب وتعز، وعلى وجه أخص الحرب ضد الزرانيق في تهامة، وهي القبيلة المعروفة بالشجاعة والكرم ونبل الأخلاق.
في بعض المراحل، اختفت البنادق، إلا من ثكنات الجيش، ففي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية (الجنوب)، فرضت الجبهة القومية نظاماً صارماً أجبر رجال القبائل على تخزين أسلحتهم حتى غطاها الصدأ.
ليست البنادق نفسها، وإنما الخناجر “الجنابي” ألقيت في الصناديق، ولم تعد إلى خاصرات الرجال إلا بعد وحدة 1990.
لكن هذا لم يمنع جناحاً في السلطة من تنظيم وتدريب وتسليح جماعة في الشمال “منظمة المقاومين الثوريين”، كُلفت خوض كفاح مسلح لإسقاط السلطة الرجعية في الشمال.
أما في الجمهورية العربية اليمنية (الشمال)، فقد غطى الغبار البنادق، وكساها الذحل في مخابئها بقرار من أصحابها، وليس بقوة قهر الدولة.
حصل هذا في العهد القصير للزعيم الوطني الفذ إبراهيم الحمدي.
وكان الانفلات في عهد الرئيس الذي سبقه “عبدالرحمن الإرياني”، قد جعل السلاح متاحاً ومباحاً للاستعراض بطريقة تنطوي على الفجاجة وقلة الذوق.
ولقد بلغت الإساءة للتقاليد العسكرية ولهيبة الدولة، أن الجنود كانوا يغادرون إلى قراهم في الإجازات، وفيها يتجولون ببزاتهم العسكرية وببنادقهم والذخائر كما لو أنهم في جبهة القتال.
كان أكثرهم يتباهى ويفتخر، وبعضهم يوجه رسالة إلى أهل قريته وإلى جوارها بأنه صاحب قوة وبطش.
ويوم أقبل إبراهيم الحمدي على رأس السلطة، لم تلبث منظمة المقاومين الثوريين مدة طويلة حتى ألقى أكثر أعضائها السلاح من عند أنفسهم، ومن غير ما حوار معها أو اتفاق مع قادة الجنوب.
صحيح أن رئيسي الشطرين انخرطا في حوار جدي من أجل توحيد البلاد، لكن موضوع إنهاء تمرد جماعة مسلحة يدعمها الجنوب، لم يدرج ضمن مواضيع التفاوض، كما جرى في ما بعد عندما اتفق الرئيسان علي عبدالله صالح وعلي ناصر محمد، سنة 1982، على أن يرفع الأخير غطاه عن مقاتلي الجبهة الوطنية الديمقراطية، الذين يعملون بالشمال، وأن يكف عن دعمهم في إطار مساعٍ لتهدئة الأجواء كيما تتوفر مناخات مناسبة لتوطيد السبل نحو توحيد شطري البلاد.
وكانت الجبهة الوطنية شكلت من 5 فصائل ماركسية وحزب البعث العربي الاشتراكي، وأشهرت نفسها في 11 فبراير 1976، متخذة هدفاً رئيسياً وحيداً، هو إسقاط النظام الرجعي في صنعاء -كما صنفته- في وقت كان إبراهيم الحمدي قد أسر قلوب الناس.
وكذلك نبتت الجهة الوطنية في عهده بلا أشواك، بعد أن ألقى الطيبون من الناس أسلحتهم، حتى إذا ما وقع الانقلاب على الحمدي، عادت أكثر ما تكون شراسة.
هناك بعد ذلك التاريخ، قدمت الجبهة الوطنية الديمقراطية نفسها خصيماً لقاتلي الحمدي، ووريثاً لمشروعه.
ولقد استثمرت صورته في أذهان الشعب بقوة الدولة في الجنوب، وبسطوة إعلام محرض ومؤثر.
ضمن هذا الإعلام انتشرت أغنيتان للفنان الكبير محمد مرشد ناجي: “مخلف صعيب” المنسوبة لعبدالفتاح إسماعيل، أمين عام الحزب الحاكم في عدن، ورئيس الجمهورية ذلك الوقت، ثم “نشوان” لسلطان الصريمي؛ البعثي الذي غادر موقعه القومي إلى الماركسية، ضمن فصيل فارق يمين البعث، وأطلق على نفسه مسمى الطليعة الشعبية.
وقد كان من أحكام المقادير الغربية أن القصيدة التي كتبها سلطان، مطلع السبعينيات، في عهد الإرياني، وقبل أن يطفو اسم علي عبدالله صالح على صفحة الحياة السياسية، قد أوردت اسم صالح في سياق الالتزام بقافية، ولكن كوريث لطغيان الأئمة: “من يوم خلق سيف الحسن وصالح/ وأنا الوحيد بقريتي وشارح”.
وكان الاسم استخدم من قبيل التهكم في مرحلة الحرب بين الجمهوريين والملكيين، في برنامج ساخر أطلق معده ومذيعه على نفسه اسم “صالح علي”.
في هذه المرحلة امتلأ شمال اليمن بالسلاح القادم من الجنوب، مع ذلك فإن علي عبدالله صالح استطاع أن يخمد الحرب باستبسال على أرض المعارك، وبتفاوض ذكي مع رئيس الجنوب، ثم باستقطاب ورشوة بعض قادة الجبهة الوطنية.
لكن الرئيس الذي أمن نظامه من خصم سياسي مسلح، فتح الأبواب على مصاريعها لحروب القبائل؛ مرات بموافقته، ومرات أخرى دون رغبة منه.
وفي هذه وتلك، فقد فاض السلاح حتى غلب عدد الرجال.
غير أنه في الأحوال كلها، فقد كانت الأرض تغل، والناس في شغل دائم، في حقولهم، أو في المعامل والمكاتب والمهاجر، ولم تشهد اليمن مجاعة واسعة، غير ما حصل في بعض مناطق تهامة أيام حكم الإرياني. وكانت نتاج جفاف بإرادة السماء، وليس بصناعة من تولى الأمر.
ذلك ما تشهده البلاد الآن.
ولست في وارد تحميل طرف دون غيره مسؤولية المآل الذي وصل إليه الاقتصاد والمال والنقدية، لكن من المهم التوقف عند قرار الجماعة القابضة على صنعاء التعامل بالعملة الوطنية، وإصدار ما سمتها نقوداً إلكترونية.
إن العملة هي أحد تعبيرات السيادة الوطنية، والحكم بإعدامها يمثل اعتداء على السيادة، وربما دل على أن الحوثي يسعى إلى فصل شمال البلاد عن الجمهورية اليمنية.
وأما النقود الإلكترونية فهي نكتة سمجة، لأن هذا النظام يستوجب تشريعاً قانونياً يضع الضوابط ويرسم أساليب وطرق التعامل مع المخاطر القانونية والأمنية، كالتزييف والتزوير والاحتيال، وما يوفره من مناخ لجرائم غسيل الأموال والتهرب الضريبي وغيرها.
ثم إنه يستدعي شبكة حواسيب وبرامج تخرين معلومات إلكترونية لا تتوافر في بلد يفتقر إلى الكهرباء.
كما أن الدول القليلة التي أخذت بهذا النظام استخدمته في نطاق محدود ولم تفكر على الإطلاق بإلغاء العملة الورقية.
لقد فاض علينا بالسلاح، وحبس عنا الخبز.