حسن العديني يكتب:
ترامب.. مرة ثانية
لا يختلف ترامب عن الرؤساء والسياسيين الأمريكيين في التعبير عن نفس المصالح إلا من زاوية التعبير عن أفكاره بلغة مباشرة.
أرجح احتمال أن دونالد ترامب سوف يقضي أربع سنوات أخرى في البيت الأبيض.. أربع سنوات أخرى سيظل سيد واشنطن.
سوف يحتفظ ترامب في يده بالقرار الذي يغير مصائر ويصنع مقادير فوق هذا الكوكب.
ويوم تقدم للترشح ممثلاً للحزب الجمهوري في 2016 بدا أنه سيخرج من الجولة الأولى، لكنه فاز في السباق وخلّف وراءه 16 من الساسة المحترفين أعضاء في الكونجرس وحكام ولايات، بينهم حاكم ولاية فلوريدا جب بوش شقيق الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، الذي خاض السباق النهائي معه وانتصر عليه.
هناك أصبح احتمال فوزه على وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون أقرب إلى المؤكد.
وترامب في واقع الأمر ليس سياسياً محنكاً، يعرف العموميات ولا يلم بالتفاصيل، وحين يقارب موضوعاً محدداً ينظر للأشياء فقط من حساب المنفعة المادية المباشرة، لكن الثقة بالنفس والإصرار على الفوز والتهور وفرت له الفرصة.
ولأن الشعب الأمريكي مغامر في نشأته، ينبهر ويميل لهذا الصنف من الرجال الذين يرتادون المجهول، ولا يترددون عن الفتك بمن يعترض طريقهم.
بعد فوز ترامب بالرئاسة أصدر بوب وود ورد الصحفي في «واشنطن بوست» كتاباً بعنوان «خوف»، والعنوان الفرعي «ترامب في البيت الأبيض».
وبوب وود ورد هو نفسه الصحفي الذي وضع ريتشارد نيكسون تحت مقصلة القانون، وساقه إلى خارج البيت الأبيض قبل أن يكمل مدة رئاسته الثانية.
تلك فضيحة «ووتر جيت» الأشهر في تاريخ الإدارة الأمريكية التي قفزت بوود ورد إلى قمة الشهرة.
وهو لم يزل في مكانه خلال خمسة عقود، لم يتراجع ولم ينحسر عنه الضوء.
وضع وود ورد في كتاب «خوف» دونالد ترامب تحت المشرحة مرشحاً ورئيساً يتخلى بسهولة عن مساعديه عند أول خلاف، وغالباً يعرفون بعزلهم من تغريدة يكتبها في «تويتر»، وبرغم فجاجته وأسلوبه الجارح في إدارة معاركه مع خصومه، فإنه على استعداد للصفح والعفو عند الحاجة.
لكن ترامب عنيد، وقليلاً ما يأخذ بالرأي المتعقل والحصيف ما دام لا يتعارض مع نظرته للأشياء من زاوية حساب الأرباح والخسائر المالية.
من ذلك إلحاحه على إلغاء اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية؛ لأن الفائض التجاري هو 18 مليار دولار لصالح كوريا، في الوقت الذي تنفق الولايات المتحدة 3.5 مليار دولار على 28500 جندي أمريكي في كوريا.
إما إلغاء الاتفاقية أو سحب الجنود.. ولم يقتنع بربط الاقتصاد بالأمن عندما قال له الجنرالات إنه في حال أُطلق صاروخ من كوريا الشمالية، فإن الإشارة تلتقط هناك بعد 7 ثوانٍ، بينما تستغرق 15 دقيقة حتى تظهر في ألاسكا.
وهكذا نظرته للناتو والاتحاد الأوروبي واتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية والتجارة عبر الباسفيك والتنافس مع الصين.
لكن هكذا هي أمريكا.
جميعهم هاجروا من الضفة الثانية للأطلسي يبحثون عن فرصة، والنجاح في اصطياد المال.
لهذا فإن الذي يحكم الولايات المتحدة جماعات المصالح من أصحاب الصناعات والبنوك والشركات عابرة القارات، وليست المؤسسات الرسمية من البيت الأبيض حتى الكونجرس والبنتاجون و«السي آي إيه» وغيرها سوى تجسيد لتحالف أصحاب الاحتكارات والامتيازات الذين يخطفون الثروة؛ لذلك لا تتغير السياسات إذا انتقلت الإدارة من الحزب الديمقراطي أو الجمهوري أو العكس.
هناك من غير شك اختلافات في تفاصيل صغيرة وفي أسلوب إدارة بعض الأزمات، لكن دون أي تغيير في جوهر السياسات.
وكذلك لا يختلف ترامب عن الرؤساء والسياسيين الأمريكيين في التعبير عن نفس المصالح إلا من زاوية التعبير عن أفكاره بلغة مباشرة، وأحياناً بلغة جافة وخشنة.
يبدو جو بادين أمام ترامب شخصية باهتة أكبر سناً وأقل حيوية، ثم إنه اختار نائبة قليلة الجاذبية، وهي مسألة مهمة في مزاج الأمريكيين.
وما دامت السياسات في جوهرها لا تختلف، فإن حظوظ ترامب هي الأقوى رغم الفشل للتصدي لجائحة «كورونا».