محمد بالفخر يكتب:
خيرُ جليس
أَعَزُّ مَكَانٍ في الدُّنَى سَرْجُ سَابِحٍ
وَخَيْرُ جَلِيْسٍ في الزَّمانِ كِتابُ
هذا البيت الخالد للشاعر أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكندي الملقب بأبي الطيب المتنبي كثيرا ما نراه مكتوبا بالخط العريض في المكتبات الثقافية ونجده أيضا عنوانا بارزا لكثير من المقالات وهو حاضر أيضا ضمن موجهات الخطباء في الجوامع والمحاضرين في الكليات لأنه سهل الوصول للمتلقي مما يجعله حقيقة ماثلة في مسارات حياته ولما يمثله الكتاب من أهمية في حياة الفرد والاسرة والمجتمع.
ونحن نعيش في زمن ضعف فيه الاهتمام بهذا الجليس الذي هو منبع الفكر والمعرفة والثقافة والدهاء السياسي لتصريف أمور البلاد والعباد بعد أن طغت وسائل التواصل الحديثة التي سرقت الأوقات من الناس وأحدثت شرخا عميقا في ثقافتهم وعلاقاتهم ببعضهم البعض واطاحت بالقيم والأخلاق وبثت السموم والأفكار الهدامة والكذب والتدليس في صفوف متابعيها على الرغم انها تحمل بعض الإيجابيات لكن سلبياتها هي الطاغية وبالذات في المجال السياسي على وجه التحديد بعد أن أصبحت كمية الأكاذيب التي يتم بثها في كل دقيقة وثانية لا تعد ولا تحصى والمؤسف ان لها قلوب اشربت فيها هذه الثقافة الرديئة وجعلتها كأنها مسلمات غير قابلة للنقاش.
في ظل هذا الخضم المتلاطم تبرز مؤشرات بين الحين والآخر تذكر المجتمع بالمسارات الصحيحة وقد سرني ما قامت به مؤسسة الخريجين في حضرموت قبل بضعة اشهر من إقامة المعرض الأول للكتاب في مدينة المكلا وقد وددت أن أكتب عن هذا الموضوع في حينه لكن تسابق الاحداث التي كتبت عنها في الأسابيع الماضية من خلال العمود الأسبوعي (كل خميس) بصحيفة(عدن الغد)الغراء جعلتني أتأخر في الكتابة عنه وليس نسيانه فهو حقيقة من الأحداث المهمة التي شهدتها الساحة الحضرمية وقد يقول قائل انه ليس حدثا سياسيا فأقول له بل هو السياسة بعينها فلو ان السياسيين ادركوا أهمية الكتاب ودوره في تنمية الثقافة وتحصيل العلوم والمعارف لتوسعت مداركهم الفكرية مما ينعكس إيجابا على أدائهم في تنفيذ المهام الموكلة اليهم و لساروا بالبلاد الى مصاف الدول المتقدمة ولما ابقوا البلاد ضحية للصراعات الداخلية لتصبح مطمعا لأجندات واطماع دول خارجية.
ونعود مرة أخرى للحدث من جديد ان إقامة معرض الكتاب في حضرموت بعد احداث جسام مرت بها يعطي رسالة تأكيد لما هو مؤكد أصلا ان حضرموت هي بلد السلام والثقافة والادب وأنها مازالت بلد الأمن والسلام ومركز اشعاع للحضارة والعلم والتاريخ وأنها مازالت حبلى بأبنائها المميزين علما وادبا واخلاقا وانه متى ما اتيحت لهم الفرصة سيجددون سطوعهم في فضاءات الدنيا باسرها ويتحقق ما قاله الاديب الحضرمي الخالد علي احمد باكثير رحمه الله ولو ثقفت يوما حضرميا لجاءك آية في النابغينا ولهذا اهيب بكل حضرمي ان يضع هذا البيت نصب عينيه ويتذكره كل حين حتى لا ينساق خلف من استهوتهم شياطين الانس والجن وأصبحوا أداة من ادواتهم ولهذا نذكرهم بأهمية الكتاب في حياتهم وضرورة ان يكون في كل بيت مكتبة ولو صغيرة لأنها أساس المعرفة والعلوم.
وفي الختام أوجه التحية لصاحب فكرة معرض الكتاب الآنف الذكر الدكتور محمد سعيد بافضل على جهوده التي تصب في خدمة المجتمع قاطبة وتحية لهذه المؤسسة التي جاءت إضافة نوعية لمن سبقها في خدمة المجتمع.