رشيد الخيُّون يكتب:

في العراق.. إيران تعتمد على الصدر

بعد مقتل قاسم سليماني، ربَّما أضاعت إيران الخيوط مع الجماعات الدينية التي تنوب عنها في العراق وسوريا واليمن وباكستان وأفغانستان، أما لبنان فوضعه مستقر بوجود وكيلها أمين عام حزب الله حسن نصرالله، مع الإشارة إلى أن إيران لا تثق بشخص واحد، وإن كان مخلصا إلى حد الذوبان مثل حسن نصرالله.

لقد أوضح الحزن الإيراني الرسمي أن قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، لا يعوّض بالنسبة للإدارة الإيرانية، وخصوصا في ما يتعلق بإدارة أذرعها خارج إيران. فقد جعلوه يلتقي بالحسين في الجنة عبر صورة نشرها الموقع الرسمي للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ومسح المشيعون ثيابهم بتابوته، وبكاه بشكل علني المرشد الأعلى وبقية القادة.

ترك سليماني فراغا كبيرا في مكتب الولي الفقيه، وفي الساحات التي كان ينوب عنه فيها.

فإلى جانب لوائي الزينبيين في باكستان والفاطميين في أفغانستان، ووجود مقاتلين منهما في ساحات القتال السورية، والحوثيين في اليمن، تأتي الميليشيات في العراق، وهي أصعب الجماعات المسلحة التابعة لإيران، إدارة وتدبيرا، كأكثر المتأثرين بغياب قاسم سليماني.

لذا، يبدو أن إيران من خلال الاتكال على شخصيات عربية مخلصة لإدارة الملف العراقي، الذي يعتبر بالنسبة لإيران، أو نظام الولي الفقيه، قضية حياة أو موت، أرادت تعويض قاسم سليماني الإيراني.

طهران لا قدرة لها على مواجهة الحصار الأميركي من دون الثروة العراقية. وما حصل مؤخرا من الضغط على الأميركيين داخل العراق يؤكد ذلك تماما.

اختارت إيران مقتدى الصدر حليفا وذراعا، بعد أن أصبح الأتباع التقليديون أقل نفعا لها، وهم المجلس الإسلامي الأعلى ومنظمة بدر وكتائب حزب الله (بعد مقتل قائدها ومؤسسها أبومهدي المهندس) وحزب الدعوة وغيرهم.

ويأتي هذا الاختيار لأن التيار الصدري في العراق ما زال يحتفظ بقاعدة شعبية، وقدم نفسه على أساس وطني وعروبي، وكسب الشارع العراقي انطلاقا من هذا الادعاء.

ومن أولى المهام التي أُوكلت لمقتدى الصدر وتياره مهمة مزدوجة، وهي من جهة أولا إطفاء التظاهرات العراقية الموجهة بالأساس ضدها وضد أذرعتها، ومن جهة أخرى مشاكسة الأميركيين والدعوة إلى التظاهر المباشر ضد وجودهم داخل العراق، وهذه المهمة المزدوجة ينفذها التيار الصدري عبر “المليونية” المزمع انطلاقها في يوم الجمعة من ساحات التظاهر.

إيران اختارت الصدر بعد أن أصبح الأتباع التقليديون أقل نفعا، وهم المجلس الإسلامي ومنظمة بدر وحزب الله وحزب الدعوة

غير أن ذلك لا يعني أن إيران قد باعت أذرعها الأخرى، بل بالتأكيد ستحتفظ بها، مع إعطاء الأهمية لمقتدى الصدر وتياره، مع العلم أنها لم تكن بعيدة عن جيش المهدي في يوم من الأيام، لكن كان لديها العناصر الأكثر ثقة من قبيل أبي مهدي المهندس وهادي العامري ونوري المالكي، وقد قُتل المهندس، والعامري كما هو واضح مكروه عند سواد العراقيين، وانتهى رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، بتهم موجهة إليه مع تأجيل التحقيق فيها، تخص قضية سبايكر، وتسليم الموصل إلى تنظيم داعش في العام 2014، وفتح بوابات السجون للإرهابيين، وتضاف إلى ذلك قضايا الفساد الضخم التي يُتهم بها أيضا هو وحزبه الدعوة الإسلامية.

أما عن إدارة الميليشيات، والشخصية التي ستحل محل قاسم سليماني، فيُنقل أن إيران اعتمدت في ذلك على حسن نصرالله، الشخصية ذات العلاقة الوثيقة بولاية الفقيه، وممثل المصالح الإيرانية في لبنان، والمقاتل بأمرها في سوريا، دفاعا عن نظام بشار الأسد.

لم يكن حزب الله اللبناني بعيدا عن الميليشيات العراقية، فقد كان أحد قادته، وهو عماد مُغنية، يمثل صلة الوصل معها، والمشرف على تدريب عناصرها في سوريا، وعلى إدخالها إلى العراق، ولم تتم هذه المهام خارج الإرادة الإيرانية، وبعد اغتيال مغنية، تولى ربط الصلة بين حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية، الموالية لإيران، القيادي في حزب الله، محمد كوثراني.

كان كوثراني يشرف على تجنيد الشباب الشيعة العراقيين للقتال في سوريا، تحت عنوان “الدفاع عن المراقد المقدسة”، وكذلك تجنيدهم للقتال في اليمن مع الحوثيين، وقد عاد العديد منهم في التوابيت، وتحتفل الميليشيات بـ”شهادتهم”.


بطبيعة الحال، لا يستطيع نصرالله التحرك في بغداد، خصوصا بعد مقتل قاسم سليماني ورفاقه بهذه الطريقة التي أخافت قادة الميليشيات، ومن بينهم حسن نصرالله نفسه. لذا من الوارد أن يستمر محمد كوثراني في إدارة الملف العراقي لإيران، ولكن بصلاحيات جديدة، كانت لقاسم سليماني نفسه، فلو أن أبا مهدي المهندس ما زال على قيد الحياة لكان هو البديل عن سليماني داخل العراق بلا منازع.

قد يقول قائل وهادي العامري وقيس الخزعلي أو الجزائري، وسواهم من المحسوبين على إيران أكثر من كونهم عراقيين؟

والإجابة أن هؤلاء غير مؤهلين إلا لقيادة مجاميعهم، وليس لمهمة إدارة الملف العراقي لإيران، هذا، ومن دون إغفال دور السفير الإيراني في العراق نفسه، الذي تختاره إدارة الولي الفقيه بعناية، ومن المؤكد أن مهام السفير الإيراني ستزداد، ولن يبقى مجرد سفير إنما سفير دولة محتلة، لا يقل عن سفراء الاتحاد السوفيتي السابق في عواصم المنظومة الاشتراكية التابعة له، أو عن سفير مصر الناصرية بلبنان في أيام الوحدة السورية – المصرية، كلّ هذا سيكون بعد غياب قاسم سليماني، الذي كان يُقيم تقريبا في بغداد، حيث مكتبه وسكنه، ويدخل ويخرج من دون علم أحد غير أبي مهدي المهندس الذي قُتل معه، بمعنى أن العراق بالنسبة له مجرد أرض وشعب تابعين لبلاده.

لكن بعد مقتل سليماني لا يمكن لإيران الاعتماد على نائبه إسماعيل قاآني، الذي حل محله في قيادة “فيلق القدس”، إنما عملت إيران على تغيير المواقع والشخوص، والأكيد أن الأجدر بمهمة الحفاظ على وجودها في العراق، أن توكلها لمقتدى الصدر وحسن نصرالله.