كرم نعمة يكتب:
القلق بذكاء
ليس بيت أبي الطيب المتنبي الشهير عن القلق وكأن الريح تحته، وحده لا يجيب عن السؤال التاريخي القلِق والمتكرر، فحتى المهاتما غاندي وونستون تشرشل وجورج برنارد شو وسيغموند فرويد وأدولف هتلر إلى الجنرال دوايت أيزنهاور أكثر القادة العسكريين هدوءا في المعارك، ليس لديهم صفة حسنة عن القلق ليقولوها عنه!
وبما أن القلق موجود ويحمله كل شخص بطريقة إما أن يكون مفيدا إلى حد ما أو مضرا بقدر كبير، فإن التكيف معه وإعادة تفسيره يبدوان مهمة يجب أن تتسم بها العقول النيرة وليست المشوشة وغير المسؤولة.
عندما نقلق يعني أننا نفكر، لكن أن يتحول القلق إلى مرض يمنعنا من المبادرة فذلك ما يفترض ألا نسمح به، القلق ليس حميدا في كل الأحوال إلا إذا كان من أجل تحقيق هدف على درجة من الأهمية لمستقبل الإنسان.
مع ذلك لا يمكن لنا أن نصاحب شخصا قلقا على طول الوقت، لأنه سينقل لنا العدوى ويلبد الأحوال ويفسد أجواء الطمأنينة كلما رأيناه، فيصبح القلق لحظتها عاطفة عديمة الفائدة، بينما لا أحد على مر التاريخ قادر على إضافة بقلقه ساعة واحدة إلى حياته.
إن الأشخاص الأذكياء يقلقون أكثر لأنهم أكثر ملاحظة لكل الأشياء التي قد تسوء. وهو ما دفع أستاذة الرياضيات والصحافية البريطانية البارعة لوسي كيلاوي، إلى أن تضع هدفا رائعا لها لعام 2020 “ليس القلق بشكل أقل، إنما القلق بذكاء أكثر”. لأن الشيء الوحيد الذي يزعجها هو احتمال أن تقلق أكثر من اللازم.
فإذا كانت الأحداث السابقة التي عاشها الإنسان تزرع القلق في عالمه اليوم، فإن القلق على المستقبل هو جهد خاسر على المجهول، ومن بين أهم الدروس التي يتعلمها الإنسان الآن تفادي حدوث نكبات في حياته واعتبار قدره مترابطا للغاية مع الآخرين وليس كونهم مصدر قلق، فالطرق القديمة للتنافس لم تعد صالحة اليوم.
لا يمكن أن يستمر الإنسان بقلقه لأنه يفترض أن بيته سيحترق أو أن الأمطار ستنهمر وتحطم السقف على أسرته، عليه أن يحول القلق قوة إيجابية اعتمادا على كيفية توجيهها، لا أن يتحول القلق إلى هاجس يومي لمجرد أنه لا يعرف ماذا سيحصل له في المستقبل.
لذلك ترى عالمة النفس كارولين هيكمان أن القلق المتعلق بالبيئة يحمل نوعا من الفائدة، لكنه إذا تصاعد يمكن أن يصيب الناس بالشلل والصدمة والرعب، ويجعلهم يخوضون حالة من القلق تصل إلى الشلل والتوقف عن العمل.