نهى الصراف تكتب:

مفرمة ورق

لا يحتاج إنسان هذا العصر الملتبس إلى أي مصادر مفتعلة ليشعر بمزيد من الخوف والذعر بإرادته، فالأحداث المصيرية التي تحوط بحياة بعض شعوب الأرض تجاوزت في شدتها وتجهمها حتى أعتى قصص الرعب التي يتحمل بعض محبي المغامرة تكلفتها عن طيب خاطر. مع ذلك، فإن أغلب مرتادي صالات السينما في العالم ينجذبون إلى أفلام الرعب مثل انجذاب مسمار مستسلم إلى لوح حديد عملاق، يشاطرهم هذا الهوس محبّو المغامرات الذين لا يجدون متعتهم إلا في ارتياد مدن الملاهي لغرض اصطياد دقائق من رعب بتجربة ألعاب، يحمل بعضها تحذيراً صريحاً لأصحاب القلوب الضعيفة الذين يتمتعون بقائمة لا بأس بها من أمراض القلب والشرايين وضغط الدم، مثلما يحظر على السيدات الحوامل ارتياد بعض من هذه المغامرات غير محسوبة العواقب، فما هي الحكمة يا ترى من هذا السلوك الإنساني الغريب وهناك ما يكفي من مشاهد رعب حقيقية، حروب ومآسي، كوارث طبيعية وحرائق وأمراض فتاكة على أرض الواقع؟

بسبب الصدفة أو افتقارها لمكونات السلامة أو حتى إهمال الصيانة الدورية للألعاب من قبل المشرفين عليها، سجلت بعض أكثر ألعاب مدن الملاهي خطورة حوادث وفاة وإصابات خطيرة لمرتاديها في أماكن متفرقة في العالم حتى وقت قريب، على الرغم من هذه الحقيقة أو بسببها ربما فإن ألعاباً مرعبة كالقطار السريع أو قطار الموت، المنزلقات المائية، لعبة ركوب السفينة، لعبة السقوط الحر وغيرها الكثير مما تم ابتكاره وإضافته لمدن الملاهي الحديثة حول العالم، ما زالت تشهد إقبالاً كبيراً من قبل العائلات على مختلف مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية بل إن ازدياد تكلفة الاستمتاع بجولة ونزهة لا تخلو من مخاطرة، صارت أسباباً متجددة لازدياد عدد مرتاديها وتوقهم إلى عيش التجربة المخيفة حتى نهايتها.

أما أفلام الرعب التي تتحدث عن نهاية عالم مبتكرة أو جريمة قتل مفصلة بكامل الأعضاء والدماء والجلود المسلوخة، فصار الاستمتاع بمشاهدتها تحدياً ممتعاً لقضاء عطلة نهاية أسبوع هادئة! والمفضلة لمرتاديها من الشباب في مقتبل العمر، تلك التي تعرض في سينما بثلاثة أبعاد أو أربعة أو حتى خماسية الأبعاد كي تتاح للمشاهد متعة أكبر لمرافقة بطل الحكاية وهو يرتكب جريمته.

قبل أيام، كنت أتنقل بضجر بين قنوات التلفزيون للبحث عن صيد سهل، ممتع ومهدئ للأعصاب؛ فيلم سهرة خفيف يناسب أصحاب المزاج المتذبذب والقلوب المتعبة، برنامج فكاهي أو حتى خطبة مضحكة لسياسي مستجد لا يميز بين إلقاء نكتة وإلقاء قنبلة، لكني لم أجد ضالتي، بدلاً عن ذلك باغتني مشهد فظيع لفيلم رعب كانت فيه النجمة، رئيسة العصابة، تمسك منافسها بمساعدة صديق وتحشر رأسه في مفرمة ورق كبيرة وضعت في أحد المكاتب الإدارية للشركة التي تعمل فيها.

قبل أن يطرف رمشي، بحثت بيد مرتجفة عن جهاز التحكم لأغير القناة لكني لم أفلح في المحاولة الأولى، فرميت الجهاز بنيّة مغادرة الغرفة لكني تعثرت عند باب المطبخ وسط ضحكات وغمزات ابنتي التي أنّبتني قائلة: أتركي التلفزيون مفتوحا، هذا الفيلم رائع شاهدته أكثر من مرّة، ماذا تفعلين في باب المطبخ؟

قلت لها: وماذا يفعل هذا الرأس المسكين في مفرمة الورق؟