الحبيب الأسود يكتب:
قطر وخلايا الشر لضرب مناعة الجسد العربي
طوى من كانوا متفائلين بنهاية عزلة قطر في محيطها الخليجي والعربي صفحات كتاب الأحلام في طبعته للعام 2019، فكل المعطيات تؤكد أن نظام الدوحة مستمر في ميولاته التي تدفع به إلى المزيد من الانعزال، وما قيل سابقا عن إمكانية تحقيق انفراجة في علاقاته مع المملكة العربية السعودية انتهى إلى الفشل الذريع، إن لم يكن إلى وضع أسوأ.
أثبتت أحداث الأشهر الماضية إصرار النظام القطري على تطوير علاقاته مع إيران، بما يشكّل خطرا إضافيا على الأمن القومي العربي، الأمر لا يتعلّق فقط بما تأكد من علم الدوحة باعتداءات الحرس الثوري الإيراني على حاملات النفط قبالة ساحل الفجيرة الإماراتي، وعلى منشآت أرامكو شرق المملكة السعودية، بل بالتنسيق مع طهران في التخطيط لقمع الحراك الشعبي ضد أصابع أخطبوط الملالي في الدول العربية وخاصة العراق ولبنان، وفي تحويل جماعة الإخوان إلى أداة لخدمة ميليشيات الحوثي في اليمن، وفي التآمر على ثورة السودان التي أطاحت بحكم عمر حسن البشير، وفي محاولة محاصرة كل تحرّكات السعودية خاصة في منطقة القرن الأفريقي.
كما بات واضحا ما تقوم به قطر لتمويل مخططات تركيا في ليبيا من نقل للمرتزقة من الشمال السوري وتهريب للأسلحة نحو طرابلس ومصراتة لدعم ميليشيات فائز السراج، ومن الاستمرار في اعتماد دبلوماسية الصفقات لشراء المواقف الدولية، وتجييش المنظمات التي يقال إنها حقوقية وأبواق الإعلام لتنظيم الحملات الدعائية ضد المملكة والإمارات، والاستمرار في تخصيص موازنات وآليات للتحريض على مصر الدولة والقيادة والجيش والشرطة والقضاء، انطلاقا من وهم الاعتقاد بإمكانية بعث ما يسميه جلاوزتها بالموجة الثانية للربيع العربي.
كلما حاول نظام الدوحة التراجع خطوة إلى الوراء في طريق المؤامرات، وكلما بدأ يبحث لنفسه عن منفذ للخروج من النفق، تتدافع إليه القوى المستفيدة من عزلته لتقنعه بأن أهدافه التآمرية اقتربت من التحقق، فيعود إلى ممارساته. هناك جماعات الإسلام السياسي التي فقدت بوصلتها ما عدا الاتجاه نحو خزانة المال القطري، وهناك مراكز البحوث التي تضع على ذمته استنتاجات حسب المصالح الآنية، ومراكز الضغط الدعائي التي تحوّلت إلى قوة داخل مؤسسة الحكم، وهناك مستشارون من طيف عقائدي واحد أغلبهم من النازحين عن أوطانهم إلى وطن الغاز المسيّل، يرون أن مصالحهم مرتبطة باستمرار عزلة النظام.
منذ أيام أعلنت قطر عن تعديلات في بعض أحكام قانون العقوبات الصادر في 2004، تنص على الحبس مدة لا تتجاوز 5 سنوات وغرامة لا تزيد عن 100 ألف ريال قطري، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من تناول بإحدى الطرق العلانية من الداخل أو الخارج الشأن العام للدولة، أو أذاع أو نشر أو أعاد نشر أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو دعاية مثيرة.
هذه التعديلات هدفها قمع أي معارض أو منتقد للنظام القطري الذي يدفع بالمقابل الملايين من الدولارات لتمويل منصات الدعاية بهدف نشر الأخبار الزائفة والإساءات المتعمدة ضد رموز الدول الأخرى، وللتحريض على الفتن وقلب الحقائق والدعوة إلى التباغض والكراهية، والمساس من سيادة الدول ووحدة المجتمعات وأمن واستقرار الشعوب، ولدعم التطرف والإرهاب وفتاوى التكفير.
ربما يقول النظام القطري إنه يحصّن نفسه ويحمي كيانه الذي يعلم الجميع أنه غير مهدد أصلا، لكنه بالمقابل يتعمّد التدخل في شؤون غيره مستعملا في مؤامراته الإعلام والسلاح والمال والأبواق والأجهزة والمراكز المتخصصة واللعب على أوتار التباينات العرقية والدينية والمذهبية والطائفية والقبلية والجهوية والحزبية العقائدية في الدول الأخرى.
مشكلة قطر أنها تحوّلت إلى مرض يتغذّى على خلايا الشر في المنطقة والعالم، ويستهدف الخلايا السليمة القادرة على توفير المناعة للجسد العربي الذي سيكون عليه أن يتخذ كل أشكال التحصين الذاتي للدفاع عن نفسه، خصوصا بعد أن تحوّل نظام الدوحة إلى عدوّ معلن يتخذ من المتآمرين المحليين والأعداء الإقليميين والمتحاملين الدوليين أقنعة يختفي وراءها، ليمارس عدوانيته التي يبدو أنها باتت نزعة متأصّلة في تكوينه السياسي والثقافي والعقائدي.