طاهر علوان يكتب:
الصحافي في قلب الوباء
هل على الصحافي أن يخوض المغامرة إلى أقصاها لكي يثبت أنه جدير بالمهنة؟
هل عليه أن يمتلك الجرأة والشجاعة لكي يكون في قلب الحدث؟
الحروب الكارثية التي عصفت بالعالم العربي والعالم أجمع كانت كافية لتقديم حشد من الصحافيين الذين واكبوا تقدم الدبابات وسلاح المشاة والميليشيات وسائر المسلحين فيما القتل لا ينتهي وسفك الدماء صار أمرا واقعا مكررا وحتميا.
نستطيع أن نذكر أسماء صحافيين من هذا التوصيف من صحف ومحطات فضائية كانوا هناك، في الميدان وما عادوا إلا بعد انتهاء المهمة.
المعارك والصراعات العسكرية تقابلها وسيلة إبادة أخرى نعيشها في زمننا الراهن، إنها تحولات الطبيعة من جراء التغير المناخي وكوارث التسونامي.
في شهر مارس 2011 كان الصحافي ريتشارد لويد باري يؤدي عمله مراسلا لصحيفة تايم عندما اهتزت مدن يابانية بأكملها، ثم تتبع تلك الهزات موجات ارتداد بحرية لا مثيل لها ثم تقع كارثة التسونامي، ويجد ذلك الصحافي نفسه في وسط تلك الكارثة. يصف الصحافي ما حوله قائلا “إن البناية التي يقع فيها مكتب الصحيفة تصدعت، نحن نواجه أسوأ زلزال في تاريخ اليابان بل واحدا من أقوى الزلازل في التاريخ، نحن نواجه الكارثة إنها منطقة المفاعل فوكوشيما وقد ضربها الزلزال فبماذا يمكن وصف المشهد؟”.
ثم يسترسل الصحافي في الوصف الدقيق للطوفان والرعب والموت القادم.
الصحافي المغامر وهو ينقل صورة ما يجري من حوله هو أكثر عرضة للإصابة بالوباء لأنه في قلب منطقة الوباء لكنه ينقل ما يجري بحماسة وكأنه ينقل خبر حدث سياسي
واقعيا ضربت اليابانَ أسوأُ كارثة منذ الحرب العالمية الثانية تكلفت أكثر من 200 بليون دولار من الخسائر.
من هناك كان الصحافي يرسل تقاريره ومع تتابع موجات تسونامي كان تهديد الموت يطبق على الجميع وبالطبع لا يمكن وصف الهلع الذي أصاب مجتمعا بأسره لا تزال أثاره النفسية باقية حتى الساعة.
في المقابل وفي وسط ريح عاصفة وبرد وصقيع يقف الصحافي – المراسل لينقل صورة مباشرة لكارثة أخرى لا تزال تتفاقم، إنها كارثة وباء كورونا الجديد الذي ضرب مدينة ووهان الصينية وما زال يضرب وينتشر بسرعة تنبئ بجائحة عالمية.
الصحافي، مراسل إحدى الفضائيات الفرنسية شاهدته بالأمس وهو يلبس الكمام الواقي وسط المطر والريح بينما يتوزع من خلفه أشخاص يرتدون بدلات تشبه بدلات رواد الفضاء وهم يكافحون بلا هوادة ذلك الوحش غير المرئي الذي حول تلك المدينة ذات الـ11 مليون نسمة إلى مدينة أشباح وجعل مدنا أخرى بملايينها تحبس أنفاسها.
الصحافي المغامر وهو ينقل صورة ما يجري من حوله هو أكثر عرضة للإصابة بالوباء لأنه في قلب منطقة الوباء لكنه ينقل ما يجري بحماسة وكأنه ينقل خبر حدث سياسي أو رياضي أو اجتماعي، لا فرق، فالمهمة يجب أن تتم على أكمل وجه.
المذيعة وقد أكملت زينتها في الاستديو الدافئ والأنيق تتسلم إشارة المخرج بأن صاحبنا المراسل الجريء والشجاع معنا على الهواء مرة أخرى وتسأله عن المستجدات.
الحروب الكارثية التي عصفت بالعالم العربي والعالم أجمع كانت كافية لتقديم حشد من الصحافيين الذين واكبوا تقدم الدبابات وسلاح المشاة والميليشيات وسائر المسلحين فيما القتل لا ينتهي
شاهدته بالطبع بعد عدة ساعات في نشرة لاحقة، وإذا به لا يزال وسط الريح والعصف والفارق أنه قدم تقريره الأول في النهار أما الآن فهو قرب منتصف الليل.
تخيلت ذلك الصحافي أين يذهب وسط تلك العاصفة بعد انتهاء عمله وأي طريق سيسلك والمدينة مغلقة وقد تحولت إلى مدينة أشباح في ما يشبه أفلام الخيال العلمي، ساعتها نحن المشاهدين وتلك المذيعة الشقراء نكون قد انصرف كلّ إلى شأنه ودخل بيته آمنا مطمئنا أو ذهب إلى مقهى أو مطعم أو سينما لملاقاة صديق أو صديقة أو لمصاحبة الزوجة والأبناء، بينما الصحافي ما زال هنالك يجوس في الظلمة وسط الوباء.
هل يمكننا تخيل تلك المهمة الجسيمة بكل أبعادها؟
مقاربة الصحافي الأول وسط التسونامي وكارثة الإشعاع الذري والطوفان في مقابل الصحافي المحاط بالوباء من كل جانب.
إن ما بين الصحافيين والمراسلين القادمين من جحيم الحروب والصراعات إلى هؤلاء الذين في وسط التسونامي والوباء، ترتسم صورة مهمة صعود جبل المهنة الشاقة بكامل أبعادها فهي ليست مهنة متاعب، بل هي في بعض الحالات مهنة يصاحبها الموت في كل لحظة، وعلى الصحافي التعايش معها