الحبيب الأسود يكتب:

نذر الفشل تحيط بحوار جنيف حول الأزمة الليبية

لا تلاقي مساعي المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة للترويج لحوار جنيف نجاحا، بل بالعكس تظهر تصريحات أعضاء مجلس النواب الليبي أن لا مجال لمحاولة تكرار أخطاء الماضي وإعادة صياغة اتفاقات سابقة فاشلة، على غرار اتفاق الصخيرات، مشيرين إلى أن هناك غموضا يكتنف إعدادات البعثة الأممية لعقد لقاء للأطراف الليبية في جنيف من حيث الموعد والمشاركين وتصنيفاتهم والأجندة.

أكد مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، غسان سلامة، الخميس، في إحاطته إلى مجلس الأمن الدولي حول تطورات الوضع في ليبيا أن محادثات جنيف يجب أن تبدأ سريعا، وقال إنه على تواصل مع مجلسي النواب والدولة لاختيار ممثليهم في حوار جنيف، الذي تخيم عليه سحب الفشل نظرا لعدد الإخلالات التي أحاطت بتصوره المبدئي المقدم من قبل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

يكشف هذا التصور أن المؤتمر الجديد سيكون محاكاة لمؤتمر الصخيرات (2015) وخاصة في ما يتعلق بالعمل على إعادة تدوير جماعة الإخوان وفرضها على أي مشروع مستقبلي للحل السياسي، من خلال المساواة غير العادلة في الحضور بين مجلس النواب المنتخب ومجلس الدولة الاستشاري الذي تشكل لجمع فلول المؤتمر الوطني المنتهية ولايته منذ العام 2014، وتجاهل حقيقة الأرض وسيطرة الجيش الوطني على أكثر من 90 بالمئة منها.

أيضا، من الأسباب التي تدفع نحو التشكيك في نجاح المؤتمر، الاستمرار في تغييب أطراف ليبية مؤثرة في تحديد معالم مستقبل البلاد، خاصة في القبائل ذات التأثير المهم، والاعتماد على نخب سياسية أثبتت فشلها خلال السنوات الماضية. وهو فشل مرتبط كذلك بفشل الأمم المتحدة وبعثتها التي لا تزال عاجزة عن الوصول إلى عمق المجتمع، وتكتفي بالتعامل مع السطح، ما يزيد من إطالة أمد الأزمة.

ويتساءل مراقبون حول الفائدة المنتظرة من حوار جنيف إذا كانت عاصمة الليبيين قد تحولت إلى مسرح للمرتزقة أمام سمع العالم ونظره، وعما إذا كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد نكث بعهده، وتجاهل الاتفاق الذي وقع عليه في برلين، وتحدى المجتمع الدولي بإرسال المزيد من المرتزقة وإنزال عسكريين وأسلحة ثقيلة في ميناء طرابلس، وعما إذا كانت الميليشيات مستمرة في خرقها الهدنة المعلنة منذ 12 يناير، وتحويل العاصمة إلى سجن كبير يشهد يوميا عمليات الاغتيال والاختطاف والنهب والسلب.

لا لفرض الإخوان
رفضت القوى الوطنية الليبية مساواة البرلمان الليبي المنتخب والممثل الشرعي الوحيد لليبيين بمجلس الدولة المعروف أن كل أعضائه ينتمون إلى تنظيم الإخوان. وقالت تلك القوى التي تشمل عددا من منظمات المجتمع المدني والأحزاب الوطنية والجمعيات الحقوقية، وكتابا وباحثين وأكاديميين، في بيان لها إن هناك إصرارا على فرض هذه الجماعة الداعمة للإرهاب في هرم السلطة وإعطائها حجما أكبر من حجمها ومساواتها بسلطة تشريعية منتخبة، وهو الأمر المرفوض شكلا وموضوعا.

كما أشارت إلى أن ذلك يشكل تناقضا واضحا مع قرار مجلس النواب بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، خاصة أن بعض أعضائها مطلوبون للعدالة من النائب العام الليبي بسبب ارتكابهم نشاطات إرهابية وارتهانهم بالمحتل التركي الذي يغزو البلاد ويغرقها في الفوضى.

وأشار البيان إلى أن القوى الوطنية الليبية لا ترفض الحوار، بل ترفض قواعده الجائرة، والتي تصر على فرض جماعة الإخوان على المشهد السياسي، وهي لا تحظى بقاعدة شعبية ذات ثقل كما أظهرت نتائج الانتخابات التشريعية النزيهة التي جرت بإشراف دولي عام 2012، بل تعتمد على قادة الميليشيات، وهي طرف مغتصب للسلطة، وتعتبر السبب الأساسي في تأزيم الحالة الليبية.

القوى الوطنية الليبية ترفض مساواة البرلمان الليبي المنتخب والممثل الشرعي الوحيد لليبيين بمجلس الدولة

ومن أبرز من فضحوا الحجم الحقيقي للإخوان حليفهم المنقلب عليهم حديثا والزعيم الجهوي بمصراتة، عبدالرحمان السويحلي، الذي هاجم الجماعة بعد استبعاده من قائمة المجلس الدولي الاستشاري الذي كان رئيسا له قبل خالد المشري، إلى حوار جنيف، حيث قال “لقد أصبحت على قناعة تامة بأن توحيد الصف يتطلب تطهيره من العناصر والأجسام المصلحيّة، بما في ذلك إعادة حزب العدالة والبناء إلى حجمه الحقيقي الذي لا يمثل سوى 7 في المئة من أصوات الناخبين في 2012، (وأتحداهم أن يتحصلوا حتى على 2 في المئة من أصوات المنطقة الغربية حاليا)، وكذلك نزع عباءتهم عن مصراتة والمنطقة الغربية اللتين لطالما حاولوا اختزالهما في حزبهم فقط، بينما الحقيقة هي أن مصراتة والمنطقة الغربية يمثلهما تيار مدني وطني رافض للاستبداد”.

وفق البعثة الأممية فإن حوار جنيف سيستضيف 40 شخصية ليبية من بينها 13 من مجلس الدولة الاستشاري الخاضع للإخوان، و13 من مجلس النواب المنتخب وصاحب الشرعية الرئيسة وفق اتفاق الصخيرات، على أن يختار غسان سلامة 14 آخرين من التكنوقراط وناشطي المجتمع المدني والفعاليات السياسية المستقلة.

ويحاول إخوان ليبيا، الذين يستقوون بسلاح وجنود ومرتزقة ترسلهم تركيا، ويستفيدون من ضعف الأداء وازدواجية المعايير لدى البعثة الأممية، فرض شروطهم على حوار جنيف قبل بدئه. من ذلك دعوة رئيس مجلس الدولة الاستشاري والقيادي في حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة إخوان ليبيا، خالد المشري، إلى ضرورة استبعاد الجيش الليبي من أي حوار قادم.

ويعبر المشري بدعوته إلى إقصاء الجيش وقائده المشير خليفة حفتر عن توجه تتبناه الجماعة ومن ورائها تركيا وقطر وأمراء الحرب من قادة الميليشيات وجماعات الإسلام السياسي وبعض مراكز النفوذ في الغرب التي لا تريد لليبيا استرجاع سيادتها.

وينطلق الإخوان في موقفهم من الجيش من حالة العداء المستحكم التي يبدونها نحو الدولة المدنية ومؤسساتها، ونحو فكرة السيادة الوطنية، وكذلك نحو مبادئ الاعتدال والمصالحة الوطنية التي ساهم الجيش في تكريسها سواء في صفوفه أو في المناطق التي بسط عليها نفوذه منذ إطلاقه عملية الكرامة في ربيع 2014.

مواقف أممية متذبذبة
 
يحاول الإخوان الاستفادة من مخرجات مؤتمر برلين وخاصة الحوار المزمع تنظيمه في جنيف لفرض أنفسهم في أي حل سياسي منتظر كما حدث في مؤتمر الصخيرات في ديسمبر 2015. كما يستفيدون في ذلك من المواقف المتذبذبة للأمم المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا غسان سلامة المعروف بمجاملته للجماعة ورغبته في إعادة تدويرهم كفاعلين سياسيين.

ويلفت المراقبون إلى أنه وفي الوقت الذي كان فيه الجيش الوطني على أهبة حسم معركة تحرير العاصمة، تحركت الأجندات الدولية في محاولة لإعادة رسكلة الإسلام السياسي والبحث عن منفذ للميليشيات وأمراء الحرب، ويأتي على رأس هذه المحاولات حوار جنيف.

في هذا السياق، قال أحميد حومة، النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، إن الطريق إلى الحوار السياسي الذي سيعقد برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا محفوف بالمخاطر، لافتا إلى عدم ارتياحه لما يحاك قبيل انعقاد الملتقى، مضيفا أنه نقل إلى البعثة الأممية كافة تساؤلات أعضاء مجلس النواب حيال مجريات الحوار المزمع استئنافه في جنيف واللجان التي ستنبثق عن الأطراف والنتائج المتوقعة منه.

وأشار إلى أنه سينقل تفاصيل ما دار في لقائه بغسان سلامة إلى أعضاء مجلس النواب في الجلسة الرسمية المزمع عقدها، الاثنين المقبل، ليتخذوا حيالها ما يرونه يخدم مصلحة الوطن ويعزز شرعية مجلس النواب والأجسام المنبثقة عنه، مشددا على موقفه الثابت حيال دعم القوات المسلحة في حربها على الإرهاب والميليشيات المسلحة، إضافة إلى التهديدات التركية ومحاولات الاستقواء بالأجنبي، مؤكدا أن الجلوس على طاولة الحوار لن يتم إلا وفقا للمبادئ الوطنية التي يتفق عليها كافة الليبيين الشرفاء.

يحاول إخوان ليبيا، الذين يستقوون بسلاح وجنود ومرتزقة ترسلهم تركيا، ويستفيدون من ضعف الأداء وازدواجية المعايير لدى البعثة الأممية، فرض شروطهم على حوار جنيف قبل بدئه

بدوره، اعتبر عضو مجلس النواب، محمد العباني، أن مؤتمر جنيف إضافة أخرى من الفساد لما سبق وأنتجه اتفاق الصخيرات، معبرا عن أسفه إزاء من يتسابقون على حضوره. وشدد بقوله ”لا لجنيف، ولا لمخرجاته.. كفانا عبثا، من حقنا أن نتولى شأننا العام، أبعدوا (المبعوث الأممي غسان) سلامة سبب أزمتنا وتأجيج صراعنا وهدر إمكانياتنا”.

كما أكد عضو مجلس النواب، علي السعيدي، أن اجتماعات جنيف لن تكون مثمرة، باعتبار أن مشكلة ليبيا هي مشكلة أمنية وليست سياسية. وأضاف أن مجلس النواب لم يختر حتى الآن ممثليه في اجتماعات برلين، مشيرا إلى أن العدد الذي خصصه سلامة لممثلي مجلس النواب ليس كافيا.

ويخشى أغلب المراقبين من أن يتحول حوار جنيف إلى نسخة ثانية من حوار الصخيرات التي تحكمت في نتائجها أساليب الترغيب والترهيب والضغوط الخارجية ومصالح الدول على حساب المصلحة العليا للشعب الليبي، مشيرين إلى أن هناك سياقات وحسابات تدير مثل هذه الحوارات وتطغى عليها الغايات الشخصية أو الحزبية

وشدد عضو مجلس النواب علي التكبالي، على أن مؤتمر برلين لن يقدم جديدا وجلوس مجلس النواب مع أجسام سياسية رفضها يعد تكرارا لما حدث في اتفاق الصخيرات، مشيرا إلى عدم أحقية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في اختيار أي شخص للمشاركة في حوار جنيف كونها ليست طرفا في النزاع بل مساعد على الحل.

أما النائب آدم بوصخرة، فأبدى قلقه تجاه مخرجات برلين الذي أسفر عن تشكيل لجنة للحوار السياسي في جنيف، وقال إن تشكيل هذه اللجنة يكتنفه الغموض ولن تكون نتائجها بعيدة عن نتائج الصخيرات، لافتا إلى أن النواب لن يقعوا في الفخ مرة أخرى باتباع خطوات مرسومة مسبقا، مشددا على أن مجلس النواب هو المجلس التشريعي الوحيد لرسم السياسة في ليبيا وما عداه باطل وبالتالي لن نسمح بأن يكون طرفا في الحوار المرسوم من جهات خارجية.

ويبقى الحديث عن أي أفق قد يفتحه حوار جنيف أمرا بعيد المدى، في ظل إصرار الإخوان على نيل نصيب أكبر من حجمهم، وذلك بدعم أممي لا يقرأ خارطة التوجهات الشعبية الحقيقية في البلاد، ويعمل على تجاهل ما عرفته ليبيا خلال تسع سنوات من نتائج انقلاب الإسلام السياسي على الدولة الوطنية لخدمة أجنداته العابرة للحدود.