نهى الصراف تكتب:

إنذار كاذب

لا يوجد تعبير أكثر وضوحا عن مشاعر الحقد والمقت من ارتكاب جريمة قتل شخص قد يستحق هذا الفعل المكثف بالكراهية كما يراه القاتل، مع ذلك، فإن لحظة ارتكاب الجريمة إذا ما توفرت فيها عين شاهدة تراقب عن كثب تفاصيل فعل القتل، فإنها نادرا ما تلمح أي تعابير وجه تشي بهذا الحقد على ملامح القاتل.

القاتل ربما يرتكب جريمته عن سابق إصرار وتصميم من دون أن يستخدم عضلة واحدة من عضلات وجهه، ولا حتى تعبير اشمئزاز واحد مع توافر جميع أسباب الكراهية من وجهة نظره لإنهاء حياة خصمه الذي يمقته.

ليست كل ابتسامة تعبر عن سعادة صاحبها وليس كل سعيد مبتسما بالضرورة؛ فمن يشعر بالسعادة لا يشغل نفسه كثيرا بالتفكير في طريقة للتعبير عنها، عدا أن هناك ابتسامة شاحبة باردة يرسمها صاحبها عنوة على ملامحه عندما يشعر بالتعاسة أو الحزن، هذه التي تفصح عن صمت المشاعر وهي ملامح وجه جامدة لا توحي بشيء لكنها من أكثر التعابير سكونا التي يمكن أن نصادف أصحابها في أروقة المستشفيات، خاصة مرضى الحالات المستعصية أو التي لا أمل في الشفاء منها. لكن، تبقى هناك إشارات نفسية معينة قد تظهر على ملامح مفترضة في ذهن شخص ما، إشارات يمكنه من خلالها استشفاف مشاعر الآخرين التي تكون في معظمها سلبية تكشف عن مزاج أو رد فعل أو ربما احتجاج عن سلوك صدر عنه وأزعج الآخر أو سبب له جرحا نفسيا.

يزعم بعض المعلمين بأنهم يستطيعون قراءة ملامح التلميذ الذي يبدي اهتماما حقيقيا بما يقولون في الدرس فقط لأنه يعمد إلى هزّ رأسه بالإيجاب مع كل كلمة يرددها المعلم، كما يدّعي بعض أصحاب صالونات الحلاقة بأن الزبون راض عن الخدمة التي يقدمونها لمجرد أنه لم يقطب حاجبيه أو يزم شفتيه كدليل امتعاض، كل هذا يتم بناء على ابتسامة محايدة يرسمها البعض عنوة على وجوههم للتخلص من موقف مزعج وغير مريح.

تعابير الوجه إشارات غير موثوقة لمشاعرنا الداخلية وربما تكون إنذارا كاذبا، هذا تحذير صريح لعلماء في جامعة ولاية أوهايو الأميركية، بحثوا كثيرا في لغة الجسد وملامح الوجه التي تتغير بحسب اتجاه العضلات والظروف.

أشرف هؤلاء، مؤخرا، على دراسة قاموا خلالها بتحليل حركات العضلات في الوجه كما يرونها في الواقع والتي ترتبط في العادة بشعور إنساني معين، ثم قارنوها فعليا بالمشاعر الحقيقية للشخص المشارك في الاختبار في تلك اللحظات بالذات بعد استجوابه لفظيا، فتأكد لهم بأنها متضاربة تماما مع ما كانت تعبّر عنه ملامح الوجه التي لم تكشف بصدق عن المشاعر الحقيقية لصاحبها، ببساطة لا يمكننا الاعتماد على تعابير الوجه بصورة مطلقة كما لا يمكننا الكشف عن الانفعال من خلال مفاصل الوجه وحدها، على العكس من ذلك، ربما يكمن خطر ما خلف قناع مزيف يضعه البعض على وجوههم ليجنبهم التصريح بمشاعرهم الحقيقية، في حين تسهم بعض عمليات تجميل الوجه في التعتيم على حقيقة المشاعر تماما، حيث تمنع متانة شدّ العضلات المحيطة بالفم، على سبيل المثال، صاحبتها من رسم أي تعبير كان في المطلق؛ لا خير ولا شر!

النتائج التي عرضت في الاجتماع السنوي للجمعية الأميركية لتقدم العلوم، أشارت إلى خطورة اعتماد هذا المنطق الساذج في تفسير سلوك الناس، خاصة في مدن كبيرة ومأهولة بالسكان مثل لندن ونيويورك، حيث تنتشر في شوارعها أعداد كبيرة من كاميرات المراقبة التي سيصبح عملها غير مجد إذا ما اكتفت برصد تعبيرات وجوه المارة والغرباء الذين يقتحمون المباني السكنية بقصد السرقة، من دون أن يتخلوا عن براءة ملامحهم.