كرم نعمة يكتب:
صمّم بيتك بنفسك
عايشت على مدار شهور بانبهار لم يخفت تشييد مبنى مجاور لمكتب جريدة “العرب” في لندن، كنت أتأمل بشغف الهياكل وهي تتصاعد بمعدل زمني ثابت، وأشعر بالتغيير كل يوم مثلما أترقب الإنجاز.
شغفي بهذا المعمار دفعني إلى البحث عن التصاميم المعمارية للمبنى وفلسفة البناء ورؤية الشركة المصممة، فقد تم اختيار الموقع بعد هدم مبنى سابق لم يكن سيّئا ولا متهالكا، لكن كما يبدو التوق للبدائل الأفضل وراء تشييد مبنى جديد مكان آخر لا يزال صالحا للاستخدام والاستثمار.
اليوم يمثل المبنى الجديد درسا في الفخامة المعمارية من الخارج بمجرد تأمله، لكنه في الوقت نفسه يمنح حلولا رائعة للمستخدمين والساكنين، ومع أنني أمر من أمامه مرتين في اليوم لكن لم يتراجع، وبعد شهور من اكتماله، منسوب الإعجاب، لم يصبح هذا المعمار المدجج بالفخامة شكلا تلقائيا في نظري لأنني أستنسخ صورته في ذهني بشكل دائم، بل ما زال يحتفظ بدهشة ذائقتي البصرية.
يكاد يكون هذا المعمار اللندني مثالا على استفادة العمارة من التكنولوجيا، فكل من دَرسَ الهندسة لا ينسى الدرس الأول في رسم الخطوط المستقيمة والمنحية، وكيف عليه أن يتخيل شكلها قبل أن يرسمها، كما أن الجهد الشاق الذي يبذله المعماري والرسام الهندسي كان يكمن في حساب ورسم ما يسمى التفاصيل الملحقة بالمخطط الأصلي. وبمجرد تأمل سريع للمبنى موضع اهتمامي الشخصي، يعني أن المشيدين احتاجوا إلى مئات الملايين من مخططات التفاصيل، كان مهندسو الأمس يرسمونها بأيديهم! لكن أمرا واحدا للكمبيوترات الرائعة أنه يمكن لها أن تطبع كل هذه التفاصيل الدقيقة والشاقة.
اليوم أي شخص مارس الألعاب مع الكمبيوتر يعرف المتعة التي يمكن أن يحصل عليها عند تصميم منزله الخاص عبر تقنية الواقع الافتراضي الذي يجمع البيانات ويستفيد من المساحة قدر الإمكان والحدّ من الأضرار البيئية، وخفض استخدام الطاقة.
برامج التصاميم الهندسية صنعت المستقبل في الواقع الافتراضي ووفرت الجهد الهائل من دون أن تنهي التفكير في عمارة توفر الحلول والاستخدام المريح التي ينجزها المعماريون. بينما تتطلب المباني والمدن الذكية أجهزة كمبيوتر لتصميم أنظمة معقدة تتضمن الآلاف من المعايير.
نعم ثمة منازل اليوم حسب طلب العملاء دون الحاجة إلى مهندس معماري، وهي بيوت ذكية مع ميزة التحكم عن بعد في عمليات التشغيل الآلية مثل الإضاءة والأمن والتدفئة. لكن مهارات المهندس المعماري لا تزال مهمة في تصور فكرة التصميم وتحديد ما إذا كان الأنموذج يناسب الواقع، حسب ديل سينكلير، مدير أحدى المجموعات الهندسية في تصريحه لصحيفة فايننشيال تايمز. لكنه في الوقت نفسه يطالب المهندسين بالمزيد لاستكشاف كيف يمكن للبيانات أن تقود المدن الذكية.