رابعة الختام تكتب:
الصمت.. بلاغة مجهولة
الصمت فضيلة، بلاغة تخفى عمن لا يملكون هوايات تفوق الثرثرة متعة وقيمة، وتلويك اللسان بكلمات فارغة المعنى والمضمون على مدار الثانية، هؤلاء المعنيون بالكلام لا تبهرهم روعة الصمت، ولا يقيمون للسكات وزنا.
هناك كلمات لا تؤدي المعنى ولا يصل منها أي إحساس إلى الطرف الآخر، وهناك رسائل ضمنية خلف المواقف ووسط السطور نبعث بها إلى من حولنا دون أن تصلهم، فتضيع هيبة المشهد، وتتناثر الرسائل بلا جدوى، حين لا يفهم من نرسل لهم برسائلنا ماهية الغرض الحقيقي من الكلمات المغلفة بالخجل والحرج.
هنا يصبح خيار الصمت عوضا عن الدخول في مجادلات، راحة نفسية من جهد عقلي وبدني، وضياع وقت يفوق التصور لما يبذل للشرح والتفسير وتقديم التبريرات.
تطويع الكلمات تارة ولي ذراعها بل وربما عنقها تارة أخرى يزعجان من يملك الحق لكن ربما غاب عنه الكلام المعسول وكان غيره ألحن منه فملك دفة الحوار بغير حق، وهؤلاء حولنا في كل مكان وعلى جميع الأصعدة وكافة المستويات، لا يخلو منهم مجال، في نطاق العمل، الدراسة، الجيران، وعلى صعيد العلاقات نجد هذه النماذج تتسيد بعض المواقف بصورة مخزية، فقط لأنها تجيد اللعب بالألفاظ وربما المكر و”ضرب الأسافين” وتضليل الغير.
لكن في صعيد العلاقات الزوجية والأسرية فالرابح ليس هو الطرف الأضعف لكنه الطرف الذي قرر غض البصر عن الأخطاء حتى تلك التي تظهر كوضوح قرص الشمس ساعة الشروق.
طرف قرر التغاضي الجميل، وأن يتسلح ببلاغة الصمت حتى لا ينزلق في حديث يخسر معه حبيبا أو قريبا، بإرادته الحرة اختار الرفض الصامت المفسر جهلا على أنه رضا بالأمر الواقع، بدلا من البوح الغاضب وإن كان على حق، خشية خسارة الآخر.
سألت كاتبة صحافية عن سر سعادتها الزوجية، فقد تخطت المرأة النصف الثاني من عقدها السادس وتقترب من السابع، قضت حياة زوجية طويلة للغاية، اقتربت من أربعين عاما، فقالت لي: الصبر كان سلاحي مع زوجي، فهو صحافي كبير وله دور سياسي بارز، رجل وسيم وصاحب رؤية، تتجمع حوله النساء الحسناوات، كما أنه تولى عدة مناصب تحريرية مرموقة مما جعله في مرمى كثيرات، خاصة شابات حالمات بالكتابة وأن يلمع إسمهمن في بلاط صاحبة الجلالة.كنت أسمع بمغامرات عديدة على ألسنة بعض الزملاء، أتجاهلها مرددة على سمعي، طالما ما يحدث بعيدا عني فلا ضير، فقط أتمسك ببيتي، ولا أنكر أن ثقتي فيه تفوق الوصف والخيال، لا أصدق جل ما يتنامى إلى سمعي، فمن أراد نصيحتي كما يدعي كان الأحرى به أن ينصحني بالمحافظة على بيتي وبذل المزيد من الاهتمام بحياتي الزوجية، أما هؤلاء الناقلون لي ما وصفوه بكونه نزوات، فهم حاقدون.
غزلت من كلمات سامية جمال عن علاقتها الزوجية برشدي أباظة، غطاء أتدثر به من قذف حياتي بقذائف الحقد والوقيعة بيني وبين زوجي، رأيت كيف كانت تحنو عليه وكيف تحملت بصبر وتعقل كل الإشاعات عن نزوات ومغامرات فتى الشاشة الوسيم، وقابلتها بالصمت رغم عشقها الشديد له ورغم غيرتها المشتعلة دائما.
ومؤخرا عادت شائعات سخيفة تحوم في الأفق، رغم أنني لا أهتم بما يحدث خارج نطاق أسرتي ولا تغريني جلسات النميمة النسائية إلا أنها قد تزعجني أحيانا وتخدش حياء صمتي.
أستخدم أسلحتي الخاصة من الصمت والتغاضي واستظهار الحكمة وراء كل موقف، فقطعا يفهم زوجي نظراتي الغاضبة، ويحلل بعض الكلمات التي تتسرب في ثنايا أحاديث عابرة.
عزيزتي المرأة بالتأكيد لن يسعدك اتهام زوجك بنزوة أو خيانة طالما أن الأمر لا يعدو كونه شائعات، فلربما كان مروجوها لهم أغراض مستترة تحت قناع النصيحة، فلا ترهفي السمع للهفوات والصغائر.
ولا تضغطي عليه من أجل أن يتوتر فتثبتين لنفسك حقيقة ما، لا تنكئي جراحا في وقت غضب عصيب، ولا تعيني الشيطان عليه فتخرجي أسوء ما فيه.
الصمت بلاغة مغفول عنها، طالما الطرف الآخر لديه من حسن فك شفراتها، وترجمة نظرات الرفض المختبئ خلفها ما يكفي للفهم الواعي والاعتذار عن الصغائر بمواقف عظيمة.