رشيد الخيُّون يكتب:
زنادقةُ الإسلامِ أربعة!
أليست مشكلة كبرى عندما يحذف الفقهاء أربعةً مِن كبار أُدباء الإسلام، أو لنقل المنطقة؟ لكن ليس هناك مَن يستغني عن كتب ودواوين هؤلاء الزَّنادقة، ومعلوم أن مفردة الزَّنديق اُتخذت بمعنى الخروج عن الدِّين باطناً، أي ما يُقابل النِّفاق، تلك المفردة -أي النفاق- التي وردت في القرآن، لكن أبقت على إيمان المنافق، واختلفوا بصاحب الذنب الكبير، فمنهم مَن قال: كافراً، ومنهم مَن قال: مؤمناً، ومنهم مَن قال: فاسقاً، ومنهم مَن قال: منافقاً، والفسق والنفاق لا يُزيلان الإيمان، أما المعتزلة، ومؤسسهم واصل بن عطاء (ت 131هـ) فقالوا: منزلة بين منزلتين، لا كافراً ولا مؤمناً، وليس خالداً في النَّار.
تصوّروا انشغال كبار الفقهاء والمفكرين، في عصورهم، بهذا الأمر، لذا توصل أحدهم ورمى الأربعة الكبار من الأُدباء والشعراء بالزَّندقة، وهي الخروج مِن الإسلام، والعداء الباطن له. لكن قبل أن نذكر أسماء هؤلاء الكبار، نأتي على الثلب بالزندقة، أو الاتهام بها، والبعض اعتبر المصطلح “زنديق” أو “الزَّندقة” منحوتاً من مفردة “الصَّديق”، حسب العلّامة العراقي حسين محفوظ (ت 2009) في بحث نشرته مجلة ببغداد، وقيل جاء من كلمة فارسية “زنده كرادي” أي “دوام الدَّهر”، وغير ذلك.
غير أن الزَّندقة أصبحت ملازمة للمنتمين للمانوية، وهي فلسفة أكثر منها ديانة، ظهرت بالعراق، وتعتبر كنيستها الأولى بابل. ظهرت مزيجاً إلى حد ما من المسيحية والمندائية والفلسفة. كان أهل ماني يتعمدون بالماء ويلبسون الثياب البيضاء، على ضفاف دجلة بميسان، وكادت المانوية تحل محل المجوسية أو الزرادشتية، لولا وفاة الملك الفارسي الذي يتبناها، وأخيرا أُعدم ماني (كل أخباره وردت عند النديم، في الفهرست).
قال الفقهاء “زنادقة الدنيا أربعة: بشَّار بن بُرد، وابن الرَّاوندي، وأبوحيان التَّوحيدي، وأبوالعلاء المعرّي” (الحنبلي، شذرات الذهب). ومنهم مَن قال ثلاثة، حذفوا منهم بشار بن برد (قُتل 168هـ)، واعتبروا أخطرهم التوحيدي. نسأل هل وجدتم أُمة تلغي المضيء من تاريخها بسبب اختلاف العقائد مثلما فعل فقهاء المسلمين؟ مع أنه ليس مِن قارئ ولا أديب ولا ملك ولا قاضٍ، اهتموا بالثقافة. خلت مكتباتهم مِن آثار هؤلاء الأربعة، وحتى ابن الراوندي الذي ليس له كتب باقية، كلها تلفت، لم يغب اسمه، بل نقل تراثه أعداؤه أنفسهم.
أقول: مَن من الخطباء والوعاظ لم يعظ جمهوره بالبيت الآتي، ويعتبره من حكمة المسلمين “الناس للناسِ من بدو وحاضرة/ بعضٌ لبعض وإن لم يُشعروا خدمُ”. ولم يذكروا اسم قائله! لأن المعري كان ضمن الزَّنادقة الأربعة أو الثلاثة!