الحبيب الأسود يكتب:
ليبيا.. اختراقات الإخوان والحسم الأميركي
جاءت استقالة غسان سلامة من على رأس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تحت ضغوط واقعية قبل أن تكون لأسباب صحية كما قال في بيان إعلانها. كل المؤشرات تؤكد أن المنتظم الأممي كان عنصرا سلبيا في الأزمة المحتدمة بالبلد العربي الأفريقي الذي أُدخل في نفق مـظلم منذ تسع سنوات، عندما أتاح مجلس الأمن لدول بعينها التدخل العسكري المباشر فيه، ثم عندما وضع الملف الليبي في أيدي القطريين من خلال إدارتهم للجماعات المسلحة المرتبطة تنظيما وعقائديا بجماعة الإخوان ورديفتها الجماعة المقاتلة.
ليس خافيا أن ليبيا بثرواتها المعلنة والخفية، وبموقعها الجغرافي والاستراتيجي، وبمساحتها مترامية الأطراف، تعتبر بلدا مثاليا لإثارة الأطماع التوسعية إقليميا ودوليا، وأن هناك من راهن على الإسلاميين ليمكّنوه من مفاتيحها، مقابل تمكينهم من حكمها، وهنا مكمن الأزمة والصراع. فالإسلاميون وعلى رأسهم الإخوان وبعض أدواتهم الجهوية، لا يرون وسيلة لاستمرار السيطرة إلا بنفوذ الميليشيات، وعندما خسروا الانتخابات في 2011 انقلبوا عليها بالهيمنة على المؤتمر الوطني العام بإعلان الحرب على القوى الليبرالية وشراء عدد من النواب المستقلّين بمقابل وصل إلى مليون دولار للنائب الواحد، وبشيطنة الأصوات المختلفة ورفع السلاح في وجه مناوئيهم سواء في العاصمة أو في المدن الأخرى وجيّشوا وموّلوا ونظّموا الجماعات الإرهابية كبديل عن مؤسسات الدولة التي تعرضت للتخريب الممنهج، وعندما خسروا انتخابات 2014، انقلبوا عليها بحرب فجر ليبيا فسيطروا على العاصمة وعلى مراكز القرار، وطردوا الحكومة الشرعية إلى مدينة البيضاء في الشرق، وقاطع نوابهم والمقربون منهم جلسات مجلس النواب المنتخب، لتأتي الأمم المتحدة بمخرجات الصخيرات في ديسمبر 2015 بهدف فرضهم من جديد على الحكم، وعندما نجح الجيش الوطني في تحرير أغلب مناطق البلاد واقترب من تحرير وسط طرابلس، تحركت الأمم المتحدة لتعقد مؤتمر برلين في الـ19 من يناير الماضي، ولتجعل منهم القوة الغالبة في مسارات جنيف العسكرية والسياسية.
لا شك أن للإخوان آليات عدة لخدمة مشروعهم منها ما يوجد في الغرب مثل الإمبراطورية الاقتصادية والعلاقات “الخاصة جدا” مع لوبيات في مراكز قرار، وسيطرة على وسائل إعلام دولية واختراق لأخرى، ومراكز للدراسات الموجهة، كما أنهم يستفيدون من وحدة أهدافهم رغم اختلاف هوياتهم القُطرية، حيث أن الإخواني ومهما كانت جنسيته الأصلية يضع جميع إمكانياته في خدمة الإخواني الآخر، وهم يعتبرون ليبيا قضيتهم جميعا مدعومين في ذلك بإمكانات قطر ودبلوماسية الصفقات التي تعتمدها، ومن تأثير تركيا ولوبياتها في عواصم عدة، وكل ذلك يصبّ في الأخير في توجهات الأمم المتحدة وبعثتها، خصوصا عندما تصبح الشرعية الدولية أساس المؤامرات ضد الشعوب، وهي شرعية لا يُنظر إليها عندما يتعلق الأمر بغزو الدول والإطاحة بأنظمتها، ولكن تصبح مهمة إذا تعلق الأمر بحماية ميليشيات أو جماعات بعينها مستندة إلى نظام غير منتخب، وإنما تم تنصيبه بإرادة المستفيدين من الدفع به إلى سدة الحكم واستمراره فيه.
قد يكون الموقف الأميركي الحالي هو الأسلم بدعوته إلى حل الميليشيات ونزع أسلحتها، ولكن كيف؟ نرى حاليا داخلية الوفاق تستضعف ميليشيات بعينها لضربها من أجل التمكين لميليشيات أخرى، هي تحديدا الميليشيات المرتبطة بقطر وتركيا والمستظلة بمظلة الإخوان، وهذا لا يمكن أن يكون حلا. البعض في حكومة الوفاق يدفع نحو الاستمرار في هذه السياسة في انتظار ما سينتج عن الانتخابات الأميركية في نوفمبر القادم. فقوى الإسلام السياسي ترى أن الديمقراطيين سيكونون أقرب إليهم كما كانوا في عهد باراك أوباما وهيلاري كلينتون، لكن الرئيس دونالد ترامب لا يريد أن يستمر الوضع على ذلك الحال، وكذلك بعض الدول الأوروبية التي أدركت طبيعة الخطر المحدق بها في حال سيطرة تركيا على ليبيا.
جاءت استقالة سلامة لتنهي مسارات التردد الأممي، فالكثيرون يعتقدون أن الولايات المتحدة ستنزل بثقلها خلال الأيام القادمة، فترامب نفسه يحاول حل الأزمة قبل الانتخابات، وموضوع حل الميليشيات بات أمرا مؤكدا وليس بطريقة فتحي باشاغا، ولكن بشكل مختلف لن يكون الجيش الوطني وقيادته بمنأى عنه، وهو ما ستثبته الأيام القادمة.
هناك اعتقاد راسخ حاليا بأن الاستمرار في اعتماد الإخوان على الميليشيات أو على حلفائهم الإقليميين ومراكز نفوذهم في الغرب، لن يحل الأزمة الليبية، لذلك فالمطلوب تغيير الاستراتيجيات بإقناع الجيش بعدم استبعادهم من المشهد السياسي القادم، ليقول الشعب فيهم كلمته من خلال الصندوق في انتخابات حرة ونزيهة، وليس من خلال تأبيد الأزمة كما يحاولون الآن.