كرم نعمة يكتب:
هل تجعلنا الحكومات سعداء
هل تعمل حقا الحكومات لجعلنا سعداء؟ تكون الإجابة بنعم عندما يتعلق الأمر بالمفهوم المثالي للحكومة التي من مهامها أن توفر لنا التعليم والعمل والعلاج والأمان، وهذه كلها طرق مشرعة نحو السعادة.
بيد أن غالبية الحكومات سبب للأمراض والانتحار والجنون والغضب والازدراء والتفرقة، لذلك لم تتوقف ثورات الشعوب على الحكومات في دورة تاريخية مستمرة.
غالبا ما يتم مناقشة مفهوم السعادة بعيدا عن دور الحكومات والأنظمة، إلا في العقود الأخيرة بعد أن وجدت مراكز الأبحاث مؤشر السعادة في الدول اعتمادا على النظام السياسي، وصولا للتعليم ونسب الفساد ونصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي والرعاية الاجتماعية ومتوسط الأعمار وحرية اتخاذ القرارات الحياتية الفردية ومعدل الصحة العامّة.
ربط السعادة بالمال أضحى فلسفة مكررة تعيد الجدل البيزنطي عن أيهما أسبق البيضة أم الدجاجة، لكنها لا تنفي حقيقة أن السعادة تحتاج إلى المال، مثلما تحتاج الحكومات إلى الأموال بنفس القدر من الحوكمة الرشيدة كي تجعل شعوبها سعيدة.
يطلق ريتشارد لايارد الكاتب والمدير السابق لمركز الأداء الاقتصادي في كلية لندن للاقتصاد، نعم مدوية مقابل سؤال “هل يمكن أن نكون أكثر سعادة؟” لذلك اختار هذا السؤال عنوانا لكتاب له، ويقترح جملة من الإجابات رغم أن تحقيق ذلك في كثير من الدول يتطلب كثيرا من الإصلاح الشامل لكل شيء، بدءا من كيفية ارتباطنا بالأطفال والشركاء حتى تصميم مدننا وتفاعلاتنا مع التكنولوجيا، والعمل، والوقت، والمال.
تقول رنا فاروهار مراسلة صحيفة فايننشيال تايمز في نيويورك، وهي تحاول أن تجد ممرا إلى سعادة الأميركيين خصوصا في عصر ترامب، إن السعادة ربما تتطلب تأملا، إلا أنها أيضا تتطلب أموالا أقل مما نعتقد. مجموعة متزايدة من الأبحاث التي أوجزها لايارد تظهر أن كثيرا من الأشياء أكثر أهمية لتحقيق السعادة من الداخل. على مستوى الفرد، تعد الصحة النفسية والعلاقات وجودة عمل الفرد أكثر أهمية من الثروة. على مستوى البلد، تعد الثقة الاجتماعية هي العامل الأكثر أهمية.
وربما لهذا السبب اختارت الروائية البريطانية جينات وينترتسون أن يكون عنوان سيرتها الذاتية “لماذا نسعى لنكون سعداء في حين يكفي أن نكون طبيعيين” في إشارة إلى أن السعادة هي نمط حياة يصنعها الإنسان لنفسه أكثر من كونها مصادر متدفقة على حياة الإنسان متعلقة بالمال.
من يقرأ هذا الكتاب يكتشف كم هي بسيطة السعادة، إنه مذكرات واقعية بامتياز، مفعم بالحوار الشعري والروائي، لا يخلو من الحِكم والغضب والتهكم، إنه ببساطة كتاب تعيد فيه الكاتبة العلاقة الضائعة مع تعاستها، لمعرفة أين تكمن سعادتها.