ماجد السامرائي يكتب:
هل يعالج شمخاني مرضاه في بغداد
علي شمخاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، ذو الأصل الأحوازي العربي الذي انقلب على أبناء جلدته ونفذ أولى أوامر الخميني بقتل أبناء منطقة الأحواز في الأعوام الأولى من الحرب العراقية الإيرانية، انتقاماً منهم لاستقبالهم الجيش العراقي بعد دخوله المحمرة في سبتمبر عام 1980، كان مقاتلاً في تلك الحرب إلى جانب قاسم سليماني الذي نافسه في موقعه الخاص بإدارة ملفات العراق والمنطقة.
شمخاني اعتمد عليه الخميني ومن بعده خامنئي في أصعب الظروف السياسية التي مر بها النظام في تسعينات القرن الماضي وما بعدها، فاستخدم غطاء أصوله العربية ومذهبه السني لإيهام المحيط العربي بأن النظام الإيراني لا يفرق بين شيعي وسني، وكانت له أدوار مهمة في ما سمي بتحسين العلاقات مع السعودية والمنطقة خلال ولاية الرئيس الأسبق محمد خاتمي، فمنحته القيادة السعودية وسام الملك عبدالعزيز في تلك الفترة للتعبير عن حسن النية، لكنه لم يحفظ الوفاء لتلك الرمزية لأنه أحد جنود نظام ولاية الفقيه، وأصبح فيما بعد أكثر عداء للسعودية داخل صفوف الطبقة الأولى من النظام.
شمخاني ظل يزور بغداد لتصدر الدور الإيراني بعد فراغ غياب قاسم سليماني ولتهميش دور خليفته إسماعيل قاآني في الملف العراقي، معتقدا أنه أولى بذلك لسجله السابق حيث قيل إنه زار المرجع الشيعي السيستاني عام 2014 وأبلغه ضرورة عدم التشجيع لولاية ثالثة لنوري المالكي برئاسة الوزارة واستبداله بحيدر العبادي الذي خصه بلقاء خاص خلال زيارته الأخيرة لبغداد إلى جانب لقاءاته البروتوكولية مع الرئاسات الثلاث وفالح الفياض ومصطفى الكاظمي الذي تتكثف احتمالات ترشيحه كبديل لمحمد توفيق علاوي.
القلق الحاصل بين صفوف التابعين الحاملين للعناوين الأولى في العملية السياسية ببغداد هو الدافع الأول لحضور شمخاني إلى بغداد مغلفا بإطار بروتوكولي لم يحمله سلفه سليماني، وقد يصعّب من لقاءاته واجتماعاته السرّية لكن الأمر يسير في العراق الذي لا تتوفر فيه تقاليد الدولة. فقد اجتمع شمخاني بقادة الكتل السياسية في منزل عمار الحكيم صاحب المواقف الشيعية الوسطية، محاولا حسم حالة الارتباك عند أطراف الإسلام السياسي الشيعي في اختيار رئيس وزراء جديد يدير مصالحهم، والذي كانت توقفه قرارات الجنرال سليماني بعد توزيع العطايا والمكاسب ليتم الحفاظ على الهيمنة الإيرانية في مختلف ميادين الحكم.
شمخاني يعكس قلق نظامه من التطورات الحالية التي تحاصره وليس أمامه سوى الحفاظ على شريانه الوحيد لاستمراره وهو العراق. فظروف كورونا ضيقت الخناق على الحدود بين البلدين رغم عدم استجابة حكومة عادل عبدالمهدي لمتطلبات الوقاية بغلق الحدود وإيقاف الرحلات. شمخاني جاء إلى بغداد بالدرجة الأولى للضغط على المسؤولين باستمرار تدفق الصادرات الإيرانية إلى العراق رغم مخاطرها على حياة الشعب العراقي ومطالبات أهل الجنوب بغلق المنافذ الحدودية. علماً بأن جميع حالات كورونا مصدرها العائدون من زياراتهم لإيران.
من مظاهر النبرة الاستعلائية الإيرانية وشعور العظمة والولاية على العراق والاستخفاف بعقول العراقيين تلك المفردات التي أطلقها شمخاني خلال وجوده ببغداد، حيث ادعى “عدم التدخل بشؤون العراق، لكن طهران واثقة من قدرة العراقيين على طرد الأميركان”.
زيارة شمخاني لبغداد غير قادرة على مداواة أمراض تابعي إيران، ورأب الصدع الكبير الذي حصل في جدار المجموعة السياسية الشيعية بعد تنامي القوة الميليشياوية وتهديدها لحاضر العراق ومستقبله بعد وصول زعامات الفساد والقتل إلى مأزق الهزيمة النهائية على يد الثوار. هؤلاء المسؤولون عن خراب العراق يبحثون اليوم عن مآو جديدة تحميهم من حساب الشعب، وليس من مطاردة النظام السياسي كتلك التي كانت في ثمانينات القرن الماضي. اليوم لديهم المليارات المخزنة في بقاع العالم، لكنها لن تؤهلهم للإقامة السهلة المريحة، لأن العيون الأميركية تلاحقهم، والأخطر عليهم مطاردة شعب العراق.