كرم نعمة يكتب:
مدونة السلوك في زمن الفايروس
كان عليّ أن انتظر قليلا لأنني الأول في طابور صعود الباص، كي تترجل سيدة مسنة قبل أن أتقدم، ذلك سلوك بديهي علينا المحافظة على استمراره ضمن قواعد الشارع، المرأة المنتظرة خلفي لم يرق لها تمهلي وإن كان لا يستمر أكثر من بضع ثوان، فتقدمت متجاهلة انتظاري، لصعود الحافلة قبل أن تتأمل بطء السيدة المترجلة، وبالفعل اصطدمت بالسيدة النازلة، فيما ظهرت علامات الاستياء على ملامح السائق. فشلت المرأة التي خلفي في امتحان قواعد السلوك وتراجعت إلى مكانها.
ليس لقواعد السلوك شرطة آداب تحاسب هذه المرأة، لكن ثمة قيم شخصية هي بمثابة مدونة شبه صارمة تحكم سلوكنا في الشارع وبين أناس لا نعرفهم.
نستطيع جميعا أن نتفق على هذه القواعد، لكننا نختلف في طريقة الالتزام بها واحترامها، وهذا متعلق بطبيعة وعي الإنسان نفسه وإحساسه بالمسؤولية.
اليوم يتكرر الحديث عن فكرة التواصل الاجتماعي مع الآخر في زمن كورونا، طبيعة السلام والتحية والمحادثة، الفايروس فرض علينا تغيير ما كان سائدا، لكننا أيضا مطالبون بالعودة إلى سلوكنا العام وتأثيره على مشاعر الآخرين قبل وبعد كورونا.
الأماكن المزدحمة في المناسبات والاحتفالات، السفر بالقطارات والحافلات، اختبار حساس لسلوكنا وطريقة احترامنا للآخر، لن يكون من اللائق أن تعلق حقيبتك على ظهرك في مكان مزدحم وتمس أشخاصا من دون أن تشعر بذلك، الحقيبة بلا مشاعر ولا ترتبط بشبكة أعصاب مع جسدك، لذلك من اللائق أن تمسكها قدر الإمكان بطريقة لا تمس بها الآخرين.
خذ مثلا الحديث المتواصل بالهاتف بين أناس لا تعرفهم، ماذا يعني ذلك أكثر من أن تكون متطفلا بخصوصياتك على مسامع الآخرين، كم يصبح الأمر فظا عندما يكون الحديث بصوت عال.
الاعتذار طريقة تعيد الأمور إلى نصابها، لكن تجنب السقوط في السلوك الفظ طريق أمثل لعدم الاضطرار إلى الاعتذار. نحن لا نتحدث عن البوهيميين هنا، بل عن أناس منحتهم الطبيعة قدرا من التفكير بوصفهم كائنات عاقلة، أرى أن قواعد السلوك وإن كانت تقترب من اللانهاية، أوضح تعبير عن ذلك العقل. لأنها تساعد في الحفاظ على معايير المحادثة والجمال والأناقة العامة.
ينصحنا الكاتب سايمون كوبر وهو يتحدث عن قواعد السلوك في فرنسا لمجاراة سلوك الباريسيين: من المقبول مقاطعة الكلام، لكن لا تتحدث بصوت عال أو تستخدم صيغ التفضيل أو الابتسام بشكل مفرط.
لكن ذلك غير مقتصر على الباريسيين وحدهم، في العالم العربي تكاد تكون المضائف والديوانيات والمجالس منتديات اجتماعية لاختبار سلوك الناس، على الأقل كي نتجنب سلوكهم في الشارع، لأن هناك ما يدفع إلى انهيار مريع في القيم.