طاهر علوان يكتب:
ماذا يصدّق الصحافي: ما يشاهده أم ما تشاهده الحكومة
في كل أرض هنالك صحافي وصحيفة وحكومة أو سلطة.
ثلاثي يلتقي ويفترق شكليا لكنه لا ينفصم، إذ للقاء والافتراق مواسم وضرورات لكن المتلازمة مستمرة.
علاقة الود أو الجفاء أو الوقوف على الحياد أو السكوت كلها من علامات تلك العلاقة الملتبسة بين الصحافي والحكومة وعلى الصحافي أن يضع نفسه في أي من تلك الحالات.
على أن الصحافي وقد دخل من باب سيطرة الحكومة والحاكم على الصحافة ليس أمامه إلا تكذيب نفسه وأن ينظر بعيون الحكومة لا بعينيه وعليه أن يتشكك في ما يشاهده ويذعن لرأي الحكومة.
ولا شك أن الأزمات هي خير اختبار فعال لتلك العلاقة الإشكالية بين الطرفين.
تضرب العالم اليوم جائحة لم يسبق لها مثيل ممثلة في الفايروس القاتل وتتبع الحكومات سياسات للتصدي للكارثة.
هنا يشاع عن الحكومة البريطانية أنها تتبع سياسة القطيع وأن على الناس ممارسة حياتهم بشكل طبيعي وإذا ما ظهرت عليهم الأعراض فعليهم الجلوس في بيوتهم لأيام عدة وأن على كبار السن الجلوس في بيوتهم قسرا لشهور قادمة لا يخرجون منها.
الحكومة تعلن عن استعدادات وجاهزية كاملة لمواجهة الوباء الفتاك.
الصحافي التقى بمتخصص أكد له عدم الجاهزية، وأن هنالك نقصا حادا في عدد الأسرة المجهزة لأغراض العناية المركزة ونقصا في الطواقم الطبية. فهل يقدم الصحافي رؤية الحكومة والوزير ورئيس الحكومة أم ما شاهده بعينيه وسمعه بأذنيه؟
لا طواقم لتعقيم الأماكن العامة ولا سائقي وسائط النقل العمومي يلبسون قفازات ولا يضعون كمامات.
في المقابل استخفت الحكومة بالوباء لكن صحافيين شجعانا فنّدوا تقاعسها.
تنشر صحيفة الغارديان مثلا حقائق مخيفة وتبعث على القلق منها مثلا أن 4 من 5 بريطانيين سوف يصابون بالوباء وأن الملايين سوف يدخلون المستشفيات.
فماذا يصدّق الصحافي، ما يراه أم ما يقوله مات هانكوك وزير الصحة البريطاني أو صاحبه رئيس الحكومة؟
في العام 2014 وفي ذروة الحرب الدامية في سوريا كانت تركيا تعلن رسميا أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا وأن لا علاقة لها بالجماعات الإرهابية المتواجدة، لكن الصحافي جان دوندار وهو أيضا رئيس تحرير صحيفة جمهوريت التركية المعارضة رأى بعينيه ما تجاهلته الحكومة.
كشف الصحافي في ذلك العام عن فضيحة إرسال الاستخبارات التركية شاحنات محملة بالأسلحة والذخائر إلى جماعات إرهابية مسلحة تحت غطاء مساعدات إنسانية ووثق الصحافي ما رآه بالصورة والدليل.
الصحافي رأى ما لم تره الحكومة ولهذا لوحق على أفعاله إلى درجة الحكم عليه غيابيا بل وصل الأمر بالرئيس التركي إلى مطالبة ألمانيا بتسليمها ذلك الصحافي المتهم بالتجسس وذلك خلال زيارة الرئيس التركي إلى ألمانيا في العام 2018.
وليس بعيدا عن المشهد التركي، وخلال الانتفاضة العفوية الشبابية التي شهدها العراق ابتداء من أكتوبر من العام الماضي، كان الصحافيون يوثقون قيام قوات الأمن بإطلاق قنابل مسيلة للدموع بالغة الخطورة وتؤدي في حال توجيهها إلى الرأس إلى كسر الجمجمة وسقط من جراء ذلك العديد من الشباب الأبرياء ضحايا ذلك الاستخدام المفرط للقوة.
كانت الحكومة تنفي كل ذلك وتدعي أن ما تستخدمه لتفريق الحشود التي تريد أن تعبر الجسور هي وسائل سلمية مناقضة رأي الصحافيين المتهمين بالتحريض وتزييف الحقائق وما إلى ذلك.
أمام هذه الوقائع الثلاث سوف نتساءل عن تلك الوظيفة الملتبسة والإشكالية للصحافي وأين يضع قدمه وأي خسائر سوف يخسر وأية مكاسب سوف يجني.
لكن حسابات الربح والخسارة ما تلبث أن تتلاشى عندما تواجه الصحافي متغيرات عدة من أهمها رفض الادعاءات الحكومية والمضي في طريق الكشف عن الحقائق كيفما كانت ومهما كانت تبعاتها.