الحبيب الأسود يكتب:
من أجل جهد دولي موحد للتصدي لخطر الفايروسات
ما بعد كورونا لن يكون كما قبلها، علينا أن ندرك أن كل ما شهدته البشرية على الأقل خلال العقود الماضية من استعراض للقوى العسكرية والتكنولوجية، وحرب باردة وصراع على قيادة العالم، وتنافس على تطوير منظومات الردع النووي والباليستي وغيرها، أثبت أنه لا يساوي شيئا أمام لحظة رعب كتلك التي يعيشها العالم اليوم، في ظل عجزه على مواجهة الفايروس المستجد.
عدو خطير لا يُرى إلا مجهريا وبآليات بالغة الدقة، أصبح يضع مصير دول وأنظمة وزعامات سياسية واقتصادات عملاقة على المحك، في حالة يقول الخبراء إنها الأخطر من نوعها منذ قرن، وربما في تاريخ البشرية من حيث سرعة ومساحة الانتشار، حيث لم تترك بلدا في العالم إلا وطرقت بابه بالهلع والدفع إلى الاستنفار والاستعداد لمعركة مصيرية.
وإذا كان فايروس كورونا واحدا من سلالة الفايروسات التاجية التي ظهرت منها أجيال سابقة، فإن هناك فرضيات لإمكانية تصنيع مثيل له، أو ما هو أشرس وأخطر منه في أي مخبر متطور، كما يمكن أن يشهد الفايروس الحالي تطورا جينيا يدعم قدرته على خرق مناعة الإنسان الذاتية وبشكل غير مسبوق، ما قد يجعل البشرية عاجزة على مواجهته.
مجرد تخيّل أن فايروس كورونا يمكن أن ينتقل عبر الهواء، يمكن أن يكشف عن طبيعة الخطر الذي كان يمكن أن يحدق بالعالم، هذا الأمر ليس مستحيلا، خصوصا وأن آخر الدراسات العلمية تؤكد أنه قادر على أن يعيش لساعات في الهواء، فالفايروسات التاجية لديها قدرات خارقة على تطوير أدائها والتحول من داخلها بما يعطيها شراسة أكبر.
إن ما يحدث اليوم هو حرب عالمية شاملة ضد كائن خفي، يجيد الاختراق والقتل والعبور إلى الوجهة التي يريد، كما يجيد التناسل والانتشار وتوزيع كتائبه بسرعة فائقة، وسيكون على العالم أن ينتبه
العلماء كثيرا ما حذروا من أن التطور العلمي والتقني المهول الذي يشهده العالم يمكن أن يفرز جانبا مظلما ومعاديا للإنسان، كأن يعمل طالبا فيزياء معزولان في مخبر منزلي على تصنيع فايروس يمكن أن يقتل الملايين، هذا الأمر بات يطرح أكثر من سؤال حول كيفية الاستعداد لمواجهة مثل هذا الأخطار؟ خصوصا وأن جائحة كورونا أكدت أنّ كل شيء ممكن، وأن العالم غير مستعد للمواجهة، وأن النظام العالمي هش، وخاصة في المجال الصحي، وأن أي دولة مهما تطورت علومها، قد تكون في عين العاصفة، ولا تجد من أمرها مخرجا.
بعد كورونا 2020 سيكون على العالم أن يغيّر أولوياته، وأن يجعل من مواجهة فرضية تطور الفايروسات وانتشارها على نطاق واسع، أحد أبرز اهتماماته مثلها مثل قضية التغير المناخي، وعلى الحكومات أن تخصص هياكل ومؤسسات خاصة تعمل بإمكانيات ضخمة للبحث والتحليل والدراسة ولإعداد الخطط الاحتياطية والمشاركة في مجهود دولي لإيجاد أنجع الحلول القادرة على حماية البشرية، وسيكون على كبار الباحثين والعلماء المتخصصين اختراع لقاح صالح للتوقي من المخاطر الفايروسية، من خلال زيادة نسبة المناعة الذاتية لدى الإنسان.
وسيكون على الدول أن تخصص حيزا مهما من جهودها للدفاع عن نفسها في مواجهة أي هجوم فايروسي تلقائي أو مدبّر، ناتج عن طفرة جينية طبيعية أو عن تطوير محتمل في المخابر. فالفايروسات أثبتت أنها ليست أقل من أسلحة الدمار الشامل الأخرى التي نعرفها، وهي وإن كانت من تلك الأسلحة المحرمة في منظور القانون، وتم استعمالها سابقا وعلى امتداد قرون عدة في الحروب، إلا أنها أصبحت اليوم خارج الاستعمال الفعلي كونها سلاح ردع، ليس من الصعب الرد عليه بشكل أعنف وبأقل التكاليف، ولكن لا أحد يستطيع التصدي للطبيعة عندما تشهره في وجه الإنسان، أو عندما يحاول أفراد منفلتون تصنيعه وتحويله إلى أداة عبث بالبشر.
إن ما يحدث اليوم هو حرب عالمية شاملة ضد كائن خفي، يجيد الاختراق والقتل والعبور إلى الوجهة التي يريد، كما يجيد التناسل والانتشار وتوزيع كتائبه بسرعة فائقة، وسيكون على العالم أن ينتبه. فهذا الفايروس هو نتاج سلالة قديمة، وقد ينتج عنه ما هو أشرس وأسوأ وأخطر، ولذلك فإن المطلوب هو الانتباه جيدا للقادم، عبر الاستعداد لأي طارئ حتى لا تتفاجأ البشرية بوضع أسوأ مما هي عليه الآن.
إن الاستعداد العالمي لمواجهة حرب الفايروسات ليس ترفا ولا هو تركيبة أحد أفلام الخيال العلمي، ولكنه جهد أساسي وضروري ليستمر دور الإنسان فوق الأرض وتحت الشمس.