الحبيب الأسود يكتب:
محمد بن زايد.. وقيمة الواجب
اتصال الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، نائب القائد العام للقوات المسلحة في دولة الإمارات العربية المتحدة، أول أمس الجمعة بالرئيس السوري بشار الأسد، كان حدثا مهما حظي بإعجاب وتقدير الملايين من العرب ومن غيرهم، نظرا للدوافع التي انطلق منها، وللقيمة التي عبّر عنها، في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها العالم.
دول كبرى وغنية تسعى جاهدة في مواجهة فايروس كورونا المستجد، فما بالك عندما يتعلق الأمر ببلد عربي عاش تسع سنوات من الحرب المدمرة، وتعرض لعقوبات دولية، وفقد الجانب الأكبر من مصادر ثروته، ونحن هنا نتحدث عن سوريا التي ورغم كل الخلافات السياسية تبقى دولة عربية لا يكتمل عقد العروبة الحضارية بدونها.
كان نداء الواجب القومي والإنساني وراء تلك المكالمة، حيث أكد الشيخ محمد بن زايد على ضرورة أن تسمو الدول فوق المسائل السياسية في هذه الظروف الاستثنائية وتغلّب الجانب الإنساني في ظل التحدي المشترك الذي نواجهه جميعا.
وشدّد على أن سوريا البلد العربي الشقيق لن يكون وحده في هذه الظروف الدقيقة والحرجة. وفي ذلك أكثر من رسالة، فما يشهده العالم اليوم يحتاج إلى التضامن والتكافل والتعاون والتسامح وتجاوز الخلافات، وهي ثوابت راسخة في سياسة الإمارات، كرّسها الشيخ زايد، ويسير عليها أبناؤه بمزيد من الإصرار على تحويلها إلى ركيزة نظام عربي وإقليمي وعالمي يعلي القيم الإنسانية ويجعل منها أداته لضمان مستقبل أفضل للشعوب والأمم.
في ديسمبر 2018 أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق، من منطلق العمل على تضميد الجراح وفك العزلة عن بلد عربي مركزي يتعرض لأطماع مزدوجة سواء من الحليف الإيراني أو من العدو التركي. جاء ذلك الموقف من باب العقلانية الإماراتية المعهودة في العمل السياسي والدبلوماسي، والتي تذكرنا بموقف الشيخ زايد عندما كان أول زعيم عربي يزور عدن ويفتح جسر التواصل مع اليمن الجنوبي في العام 1975؛ وعندما رفض مقاطعة العرب لمصر في العام 1979 بعد زيارة أنور السادات إلى تل أبيب، وهو الموقف الذي أثبت صحته، عندما عاد العرب لاحقا إلى القاهرة؛ وعندما أطلق مبادرته الشهيرة في العام 2003 لتجنيب العراق خطر الغزو والدمار.
كما أن الإمارات كانت سبّاقة إلى فهم طبيعة التحولات في المنطقة، وإلى إدراك نتائج فوضى ما سمي بالربيع العربي وما تجره من حكم الميليشيات وانتشار الإرهاب والإطاحة بالدول وتقسيم المجتمعات وتكالب القوى الإقليمية على الدول بعد الإطاحة بسيادتها، وإلى التصدي بكل قوة للتطرف والإرهاب والطائفية ولجماعات الإسلام السياسي الملتحفة بشعارات الدين.
إن اتصال الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري بشار الأسد، والذي جاء ضمن سياق مواجهة انتشار فايروس كورونا، يؤكد قيمة الواجب الذي تؤمن به الإمارات سواء على الصعيد الداخلي أو العربي أو الدولي.
في التاسع من مارس، أعلن الشيخ محمد بن زايد خلال اتصال مع المدير العالم لمنظمة الصحة العالمية استعداد بلاده الكامل للتعاون مع المنظمة، ودعم جهودها في مكافحة الفايروس المستجدّ، وتطوير علاجاته واحتوائه، مشددا على أن نهج العمل الإنسـاني يُعدّ ركيزة أساسية مـن الركائز التي قامت عليها دولة الإمارات.
ولم يمنع الخلاف السياسي مع إيران، من أن تجنّد الإمارات كل إمكانياتها لخدمة البلد الجار الذي يعاني من تفشي الفايروس المستجد. وفي 15 مارس أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، دعم بلاده للشعب الإيراني في “تخطي محنة” انتشار فايروس كورونا.
هذه الرؤية العقلانية والحكيمة تنطلق من عقيدة الواجب التي يؤمن بها أبناء زايد، فالصديق يعرف وقت الضيق، والصداقة الحقيقية هي التي تكون مع الشعوب والأمم بقطع النظر عن الحكام والأنظمة، والشعوب عموما لا تنسى من يقف معها بصدق وقت الأزمات. كما أن الوعي الحقيقي هو ذلك الذي يتجاوز الخلافات وحتى الصراعات، ليستقرئ ما وراءها. وليدرك كيف يمسك بزمام المستقبل من خلال الاستشراف لما بعد الآن. والإمارات لديها مقدرات كبيرة على ذلك، أثبتتها خلال كل المناسبات، وما اتصال الشيخ محمد بن زايد بالأسد إلا أحد تجلياتها.