فريد ماهوتشي يكتب:
الأزمة الداخلية للنظام الإيراني في السنة التي انقضت
في 20 مارس، كان اليوم الأول من العام الإيراني، وبهذه المناسبة أتطرق للبحث في الأزمة الداخلية للنظام الإيراني في السنة التي مرت؛ منذ بداية صعوده للسلطة علق نظام الملالي في حرب وصراعات العصابات المختلفة التي كانت متواجدة في داخل مفاصل حكومته.
حرب وصراع وجداع أوجد عمقاً أكبر لعمر هذا النظام مع إطالته. وقد استمرت هذه الحالة أيضا في العام الذي مضى. ولكن هل اتخذت هذه الأزمة الداخلية أسلوبها المعتاد في العام الماضي، أم كل لها صفة مميزة وتطور خاص؟
الحقيقة هي أن أهم تطور حدث داخل العلاقات الداخلية للنظام، هو قيام خامنئي بعملية جراحية للفصيل المنافس وتوحيد برلمان الملالي.
الانكماش في مؤسسة الحکم وتشديد القمع ضد المجتمع، هو جواب خامنئي للحالة الاجتماعية الملتهبة والاحتجاجات الشعبية المتزايدة.
توحيد مجلس الشوری ( البرلمان ) هو الخطوة الأولى نحو انكماش النظام وفي الخطوة التالية لخامنئي، إن لم يكن قد أطيح به حتى ذلك الحين، هو العمل على تشكيل حكومته المطلوبة وذلك بعد إنهاء فترة رئاسة روحاني في أقل من عامين.
الجدير بالذكر أن خامنئي قد اعترف بهذه الحقيقة في ٢٢ مايو ٢٠١٩، وصرح أنه سينهي الأحزان المتعلقة بوصول حكومة حزب الله، وقال: " إذا قمتم أنتم أيها الشباب بالتماشي مع هذه التحركات وهيأتم الأرضية لتشكيل حكومة حزب الله شابة، اعتقد بأن العديد من أحزانكم وقلقهم ومخاوفكم سوف تنتهي، هذه الأحزان ليست متعلقة بكم وحدكم".
من أجل إغلاق المجتمع بشكل حاسم، وقبل التمهيد وهندسة حكومته المطلوبة؛ قام خامنئي بتعيين الجلاد ابراهيم رئيسي أحد العملاء المفضوحين في مذبحة السجناء السياسيين في عام ١٩٨٨ في منصب رئيس السلطة القضائية، رغم فشله في هندسة الانتخابات الرئاسية وإيصاله لسدة الحكم في عام ٢٠١٧.
بالتزامن مع ذلك قام خامنئي أيضا بتعيين ثلاثة من أكثر قادة الحرس المسعورين في أعلى مناصب قوات الحرس.
وكان الولي الفقيه خامنئي قد سخر بشكل علني ومخفي من روحاني لطلبه زيادة صلاحيته، وقال رداً على صلاحيات روحاني: " سأل أحد الأصدقاء، أعزائي المتحدثين أن "أوجه القصور والمشاكل التي نراها في المجتمع اليوم هي ونفس أوجه القصور والمشاكل التي قال البعض منكم، هل تعود إلى الهيكل أو الوسطاء؟"
هيكل الدستور هيكل جيد، مما يعني أنه على ما يرام، الهياكل، بالطبع، تكتمل بمرور الوقت.
على أي حال، لا أرى أي مشكلة في الهيكل. نعم، لدينا مشاكل مع الوسطاء؛ خطأنا ليس هو خطأ الناس العاديين نفسه. عندما نرتكب أخطاء، فإننا نحدث فجوات كبيرة في سياق المجتمع ".
تسویة الحكومة بتیار اوحد، كان طبعاً دور خامنئي في انتخابات عام ٢٠١٧، وسعيه لهندسة الانتخابات التي أراد أن يوصل من خلال ابراهيم رئيسي لسدة الحكم، لكن تدخل منظمة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية في هذه العملية من خلال إطلاقها حملة مقاطعة الانتخابات بشعار "لا للجلاد ولا للمحتال والمهرج" وحركة التقاضي لمذبحة عام ١٩٨٨؛ أذهب كل مساعي خامنئي أدراج الرياح بصورة مفاجئة غیر محسوب فیها.
بعد هذا الفشل ووصول روحاني للرئاسة، بقى هذا الاختلاف والفجوة داخل النظام حيث سعى خامنئي لإضعاف حكومة روحاني قد المستطاع، ووضعها على الهامش، وفي المقابل أعطى السلطة لقوات الحرس حيث تحول الوجه الرئيسي لقوات الحرس قاسم سليماني ليصبح الرجل الثاني للنظام، وفي السياسية الخارجية حتى، كان يتحكم بالملفات الحساسة مثل سوريا والعراق واليمن ولبنان.
وأطلق الطيف الإصلاحي على قوات الحرس مصطلح قوة الظل – او مایعرف في الصحافة العربیَة بـ " الدولة العمیقةٰ"-، وروحاني نفسه تحدث عدة مرات بحرقة عن أن الحكومة فاقدة للصلاحيات، وأن القوة والسلطة الحقيقة والأساسية هي بيد أولئك الذين يملكون المال ووسائل الإعلام والسلاح مجتمعا.
في نفس العام الذي مضى اعترف روحاني أنه كان ينوي الاستقالة مرتين ولكن خامنئي لم يقبل،
عصابة خامنئي وحاشيته ضغطت عليه بشدة لكي يعزل روحاني وسعوا لاستيضاح روحاني، لكن خامنئي لم يوافق على ذلك لعلمه بالتبعات الخطيرة على نظامه المتزلزل الناجمة عن عزل روحاني، وفي ٢٦ أغسطس ٢٠١٨، طمأن خامنئي روحاني في رسالة وأنه لا ينوي عزله وأنه يدعمه.
رغم ذلك، عمل خامنئي على تطبيق المزيد من الضغوط على روحاني وهزأ منه حقيقة، وأحدث مثال على ذلك، كان إيكال مسؤولية إدارة مقر ما يسمى بمكافحة كورونا "المقر الصحي والعلاجي" الحرسي باقري رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة، وبهذه الخطوة أقدم خامنئي فعلياً علی وضع روحاني في الهامش، للتستر هذه الصراعات.
إن القيام بعملية جراحية لعصابة روحاني على يد خامنئي في عام ٢٠١٩ يحمل أيضاً معاني سياسية محددة، وهي إن هذه الجماعة المسماة بالإصلاحية قد انتهى نفاد استهلاکها بالنسبة للنظام ولم يعد لها أي نفع بالنسبة لنظام ولاية الفقيه.
وقد ظهر انتهاء العمر السياسي لهذه الجماعة بصفتها جزءً من النظام خلال انتفاضة ديسمبر ٢٠١٧ من خلال شعار رفع بـ "أيها الإصلاحي وأيها الأصولي لقد انتهت اللعبة".
وبما أن ورقة هذه الجماعة قد احترقت من وجهة نظر اجتماعية، ولم يعد أحد يشتريها في الخارج، تحولت لمائدة لا تملك أي نفع الولي الفقيه، لذلك قام باستئصالها ورميها بعيداً.
بطبيعة الحال من الواضح أن هذه العملية الجراحية ستعجل من نظام ولاية الفقيه أكثر ضعفاً وهشاشة ولبس أكثر قوة وثباتاً.
من الممكن أن يطرح السؤال التالي وهو أنه على أي حال فقد نجح خامنئي فعلياً في تسویة برلمانه بتیار اوحد لما يوافق مصلحته، وملئه بأشخاص موالين له، اذن کیف یمکن الوصف بأن النظام أصبح أكثر ضعفاً بسبب هذه العملية الجراحية؟
في هذه الأثناء، عندما يصبح النظام أكثر توحداً، ستغيب الحروب والصراعات داخل النظام ، والتي تهدر الكثير من طاقة النظام، ويمكن للنظام التعامل مع تناقضاته وقضاياه الأخرى بفسحة أكبر؟
الجواب على هذا السؤال هو القول بأن الانقسام والتشتت هو في جوهر وطبيعة هذا النظام ، لأنه لا توجد أي معتقدات تربط بين مختلف الفصائل المتفرقة التابعة لهذا النظام.
هذه عناصر وعصابات تجتمع فقط من أجل مصالحها الفردية والفئویة، وعندما لا تحصل على مصالحها، تتفرق وتبتعد عن بعضها البعض.
اليسار واليمين، كما نعرفه في دول أخرى-حالة اعتیادیة لتداول السلطة علی اختلاف مشاربها وتوجهاتها، ليس لهما معنى في هذا النظام.
على سبيل المثال، أولئك الذين ارتدوا عباءة الإصلاحيين في هذه السنوات ويتبنون الديمقراطية والتعددية وغيرها من الكلمات الشفهية هم أنفسهم كانوا من الجلادين والمعذبين المشاركين في عمليات القمع والذبح في الثمانينيات وكان معظمهم يسمون بالخط الأمامي.
لذلك عندما نتحدث عن الإصلاحيين والأصوليين في هذا النظام فهو مجرد تسمیات عابرة ومرحلية، وبناء على التجارب التي تكررت عشرات المرات، في هذا النظام، أولئك الذين شغلوا البرلمان الآن كأصوليين، سنرى عدداً منهم تتعارض مصالحهم مع البعض الآخر.
بالإضافة إلى الجانب الجوهري، من الناحية الهيكلية، فإن هيكل هذا النظام، الذي ينبع بالطبع من طبيعته المعادية للشعب والمتخلفة للغاية، يمنع أي وحدة وتماسك وانسجام.
في النظام الاستبدادي لولاية الفقيه، فإن جميع تشكيلات الحكومة المعاصرة، مثل الرئاسة، والانتخابات، وفصل السلطات، ومجلس الشورى وما شابه ذلك، هو أمر سخيف یخلو من المعاني المألوفة التی نشهدها في الدول الأخری حتي بصورة نسبیة.
الولي الفقيه هو الكل بالكل وجميع الأعمال من صلاحياته، حيث أنه لديه قوة وسلطة أكثر من ملك مستبد في العصور الوسطى. الولي الفقيه لا يمكن مقارنته إلا مع دكتاتوريين التاريخ فقط، لأن الولي الفقيه هو مرجع تقليد يجب اطاعته وجميع المسؤولين الصغار والكبار للنظام ملزمون بالإيمان القلبي والالتزام العملي بولاية الفقيه.
في هذه الفاشية الدينية، يكون الرئيس مجرد مُعد ولوجستي تكميلي للمسرحية، وتكتب وسائل إعلام النظام ووسائل إعلامه صراحة أنه لا يهم من يكون الرئيس، بسبب هذه البنية المتناقضة للغاية، سيكون هناك صراع مع الولي الفقيه شئنا أم أبينا.
إن مصير جميع رؤساء النظام، وخاصة مصير أحمدي نجاد، الذي كان مثالاً على رغبة خامنئي لتشكيل نفس حكومة حزب الله الفتية، يشهد على هذه الحقيقة.
لذلك فإن هذه العملية الجراحية لن تأتي بالانسجام والتماسك والوحدة بل سينتج عنها المزيد من الصراعات وحرب العصابات داخل فصيل وبيت خامنئي نفسه، وفي المحصلة بسبب هذه العملية الجراحية لن يصبح النظام أكثر انسجاماً وتوحداً بل أكثر ضعفاً وهشاشة وانكماشاً؛ وستقربه خطوة أخرى نحو سقوطه المحتوم.